29‏/3‏/2009

الالوهية والدين وتقبل الاخر- اختيار الطريق


المقدمة

كان إسماعيل أدهم (1911- 1940) هو اول من كتب في مصر عن إلحاده بكل جراة و صراحة و كان ذلك في الحقبة الملكية الليبرالية حيث كانت مصر تتمتع بحرية و ديموقراطية باكثر من زمننا الحاضر.لذلك فحين نشر كتابه "لماذا أنا ملحد ؟" تصدى له الكثيرين بالرد من خلال كتب و مقالات بعناوين مثل "لماذا انا مؤمن ؟" بدون اللجوء إلي العنف أو حتى إتهامه بإزدراء الاديان كما يحدث في زمننا الحاضر.غير ان بزوغ عصر الإنترنت قد شجع الكثير من الملحدين على الظهور مرة أخرى و التعبير عن آراءهم بحرية و صراحة و لأنني أنا أيضا ملحد فلقد أحببت أن أدون أسباب إلحادي موضحا موقفي و وجهة نظري من الألوهية و الدين, فأنا أرى أنه من واجب كل مثقف عصري حر أن ينكر كل الآلهة و أن يتصدى لخرافات الاديان اللامعقولة و اللاأخلاقية, بدلا من أن نشهد إستفحال التعصب الأعمى و تفشي النفاق الديني في كل مكان في المجتمع دون ان نحرك ساكنا.لقد ولدت مسيحيا لأبوين مسيحيين و حين بدأت سن المراهقة دخلت في حالة تزمت و تعصب ديني فألزمت نفسي بالقراءات الكثيرة و الصلاة و الصوم و المواظبة على طقوس الكنيسة, لكن بينما كنت أكبر راحت مشاعري تفتر و بدأت أسأل أسئلة كثيرة. كنت في البداية أتلقى الإجابات لكن بعد ذلك لم تكن الإجابات تشفي غليلي, و مع الوقت لم أعد اشعر بشيء, صليت كثيرا و بكيت و طلبت المعونة من الله و لكن ما من مجيب, كنت انتظر ملاكا او معجزة أو حتى إشارة تنبهني و تثير فيا الإيمان بالله لكن لم يظهر لي الملاك و لم تحدث لي المعجزة.حينها بدأ الافكار الإلحادية تدخل إلي رأسي, فكرت إن الله لا يهمه امري أو ربما كان الشيطان أقوى منه أو أن هناك قواعد تحكمه تجعله لا يستطيع أن يظهر نفسه لي.لكنني في النهاية عرفت أنه لا يوجد إله و إنني كنت اتحدث فقط إلي الفراغ وقت الصلاة.ظللت فترة مكتئبا و حزينا لموت الإله بداخلي و بدأت أشعر أنني وحدي في هذا العالم و إن الحياة موحشة جدا و إن وجودي و حياتي عبث و بلا معنى.بعدها بدأت أقرأ عن الإلحاد و عن الفلاسفة الملحدين و أعجبت بماركس جدا و لكن لان التجربة الشيوعية في روسيا كانت قد إنهارت فلم أعتنق الماركسية و إن كانت لا تزال لديها القدرة على إثارة إعجابي حتى الآن.و عثرت على كتب تحكي عن سارتر و الفلسفة الوجودية و بدات أقرأ إن مشاعري بالوحدة و الوحشة و العبث إنها مشاعر طبيعية و إن الحياة فعلا بلا معنى و لكن الإنسان هو الذي يصنع لها معنى.أحببت سارتر جدا و احببت كلامه عن الحرية و عن المسئولية الملقاه على عاتق كل إنسان حر و عن الإلحاد و رفض الخضوع للإله فإعتنقت الوجودية و إنغمست فيها.ثم و بفضل الإنترنت بدأت أتعرف على مذهب الإنسانية و حالا تركت الفكر الوجودي و إعتنقته. فكل كلمة أقرأها لفلاسفة الإنسانية في الفرح و الأخلاق و حب الحياة هي دستور لي في حياتي, أشعر و كانها تنبع من داخلي أو تم صياغتها بالذات من أجلي. شعرت بالإنجذاب فورا لافكار و بيانات الإنسانيين و عرفت أنني ساكمل حياتي معتنقا لهذا الفكر الجميل و تلك الفلسفة الرائعة. و هكذا فبعد بحث طويل وجدت ضالتي في مذهب عقلاني يمجد العلم و يدعو للحرية و الفضيلة و التعاون بين الناس و التطوع لعمل الخير و الفرح بالحياة الحلوة هنا و الآن, هكذا عثرت على مذهب الإنسانية.و بعد, فلقد هجرت دين أهلي و ناسي لكي أعتنق مبادئ جديدة و أفكار مختلفة كل الإختلاف سعيا وراء المعرفة. لقد آمنت بالحقيقة إنها قيمة مهمة في حياتي و لذلك تركت الإيمان بالآلهة و التسليم بما هو فائق للطبيعة, و آمنت بالحرية فنبذت العبودية و رفضت أن أخضع لإله جبار يهددني بجهنم و يغريني بالجنة او الملكوت.نعم, لقد آمنت بالخير و الحق و الحياة ففقدت إيماني بالأديان و الآلهة.و الآن و بعد ان وصلت إلي هذا الحد في تجربتي و في بحثي عن الحقيقة أحب أن أشرك غيري في المعرفة من خلال هذا العمل بحيث لا ينخدع كما إنخدعت و لا يضيع أي جزء من حياته سعيا وراء سراب الألوهية أو وهم الدين فتكون تجربتي لها معنى حين أنفع بها غيري.
(1) لماذا الألوهية ؟
الألوهية Divinity و الإله Divine هي ألفاظ مستعملة بكثرة و لكنها ليست معروفة على نحو جيد, تستخدم بكثرة من خلال عقائد و أديان مختلفة, و حتى بواسطة أشخاص مختلفين يعتنقون نفس العقيدة, للتعبير عن قوة تفوق المادة و المعرفة, أو إلي رموزها و مظاهرها في العالم.هي تشير إلي القوى الكونية التي تفوق القدرات البشرية.و الألوهية هي وجود الإله ايا كان هذا الإله, أن يكون هناك و لو إله واحد في هذا الوجود يعني ان الألوهية متحققة.لكن لماذا الألوهية كموضوع للبحث ؟و الإجابة هي ان الألوهية هي الموضوع القاعدي الأول في أي بحث عن الحقيقة ..فالألوهية هي الركيزة الأساسية لكل الأديان في العالم و حامية الحمى بالنسبة للأخلاق الدينية, و الإله هو الذي يعطي معنى للحياة لمن يؤمنون به.بصيغة اخرى فإن الألوهية هي قدس أقداس الحقيقة و التثبت منها لإقرارها أو نفيها يعتبر أمرا بالغ الأهمية لمن يبحث عن الحقيقة و الفضيلة. و لأن الاديان التقليدية معتمدة على الألوهية إعتماد شبة كامل و لأنها هي التي تقدم للإنسان منهج شامل للحياة و الوجود فإن مراجعة فكرة الألوهية تعتبر مراجعة لطريقة الإنسان في العيش و وسائله في التعامل مع متطلبات الواقع.يعني لو كان الإله موجودا لصحت المرحلة الثانية من البحث و هي السعي لمعرفة أي الأديان قد أرسلها هذا الإله و اي الاديان هو بريء منها, بل حتى التأكد من إن الإله قد ارسل أي دين على الإطلاق .. يعني لو كان له حقا وجود.إن البحث عن حقيقة وجود الآلهة أمر أساسي و مهم لأنه مرتبط بحقائق أخرى مصيرية لأي إنسان, مثل وجود الروح و هل هي خالدة لا تموت ؟ و هل هناك جنة و جهنم ؟ و هل حقا أن الحياة الدنيا كبخار الماء الذي لا يلبث إلا و يضمحل ؟ و هل حياتنا الأرضية بلا قيمة إلا فيما يخص قياسها لمن يستحق مكانا أفضل في حياة الآخرة ؟إن حسم مثل تلك الأمور يساعد الإنسان في تحديد أولوياته في الحياة و معرفة ما نصيب الحياة الآخرة من الحقيقة و إلي أي حد هي مهمة و تحتمل السعي. فمن يلتزم بالدين و التقوى و الورع هو إنسان حريص و مدخر و ذكي بما فيه الكفاية ليضمن لنفسه مكانا لائقا في الآخرة .. لكن فقط لو كان الإله موجودا.أما لو كانت الآلهة غير موجودة فإن الأديان تكون مجرد خداع تافه و ضحك على الدقون.الفكرة هي إن الشباب بالذات و النشء عموما يحتاج لأن يؤسس أولوياته على الحقيقة لا على الخداع, على الواقع لا على الخيال, على الوجود و ليس على العدم.و لهذا و لأن هذا الموضوع قاعدي جدا و مؤثر جدا على حياة معظم الناس فلقد قررت ان أبحث في الألوهية طمعا في الوصول إلي الحقيقة و إلي المعرفة و إلي اليقين الذي يستحق أن أؤسس عليه حياتي فيما بعد, آملا في أن أحصل و لو على قبس من الحقيقة و بقدر إخلاصي و أمانتي و إجتهادي في السعي.


(2) ماهية الإله
إتفقنا ان الألوهية هي ان يكون هناك إله واحد على الأقل.لكن ما هو الإله لكي نتحقق ما إذا كان موجودا ام لا ؟إن تحديد المشكلة هي أولى مهام البحث العلمي و لذلك فإن تعريف الإله هو أول خطوة لبحث ما إذا كان موجودا أم لا, و إلا فسوف ندور في دوائر و نتخبط في الظلام محاولين إثبات أو نفي وجود كائن غير محدد من الأساس.و لكن للأسف تأبى القضية إلا أن تستعصى على الباحث لان الناس لم تتفق على ماهية الإله و ذلك لعدة اسباب :1- الإله يفوق القدرة على الإستيعاب و الفهمففي كل الاديان تقريبا يتفق المؤمنون بوجود الآلهة على إن الإله يفوق قدرة العقل الإنساني على الفهم لأنه لا يدخل في حدود العقول و لا يخضع لتجارب العلماء فالإله مطلق بينما عقولنا المسكينة هي عقول نسبية.و هناك قصة مسيحية طريفة عن ان القديس اوغسطينوس كان يتجول على شاطئ البحر مفكرا في الإله و كيف أنه يستعصى على الفهم فوجد طفلا صغيرا قد حفر حفرة في الرمال و يحاول أن يغمرها بالماء فلما سأله عما يفعل قال له الصغير أنه يريد نقل ماء البحر إلي حفرته فلما أخبره أوغسطينوس بإستحالة ذلك فاجأه الطفل بالقول : و لماذا إذن تريد ان تستوعب الله الغير محدود في عقلك المحدود ؟, ثم إختفى الطفل في الحال.و بغض النظر عن حقيقة الرواية فإن معناها قد وصل و هي إن الإله في الإيمان المسيحي بالذات و في الأديان عموما يستحيل حصره عقليا, و كما يقول الكتاب المقدس : لا ينبغي أن نرتقي فوق ما لا ينبغي ان نرتقي.و طبعا هذا لا يختلف عن الجملة الشائعة : ربنا عرفوه بالعقل, كما لا يختلف عن الفهم الإسلامي من أن الإنسان يستدل على الإله بالفطرة و البداهة قبل العقل. فالأديان إتفقت على أن العقل و المنطق يؤكدان وجود الإله أما ماهية الإله نفسها فتستعصى على الإدراك و الفهم.يعني إن العقل الديني يثبت وجود الله و لكنه يعجز عن فهم ماهيته لأن الله يفوق المعرفة البشرية العاجزة عن إستيعاب ماهية الإله, فعند المؤمنين يقود العقل إلي الإيمان بالله و لكنه يخر ساجدا حين يصل إليه.غير أن السؤال الملح الآن : كيف يؤكد المؤمن بالإله وجوده بينما يعجز عقله عن فهم ماهيته ؟يعني ما هو الإله الذي يؤمن بوجوده أصلا ؟فالإنسان يعرف ما هي الشجرة و ما هو الحجر و ما هو الإنسان لكنه يجهل تماما ما هو الإله.و هكذا فليذهب التفكير العلمي و العقلاني إلي الجحيم طالما أن الإله غير محدود و يستعصى على فهم الناس سواء عامتهم او خاصتهم, و لا يتبقى لنا إلا التسليم دون فهم بأن هناك إله موجود بغض النظر عن ماهيته و هذا ما لن أقبله في بحثي العقلاني هذا.2- في الإسلام, ممنوع الخوض في البحث عن ذات اللهبل إن الإسلام نهى الناس عن الإستدراك في البحث عن إله يدينون له بالولاء بالسؤال فيما هو تحديدا, و جل ما يعرفونه هو أسماء الله الحسنى و التي تقول أنه عادل و حكيم و رائع و لكنها لا تقول لنا ما هو الإله اصلا و الذي يتصف بكل تلك الصفات. و المسلمون هنا يقولون إن صفات الله موجودة و الكيفيات مجهولة و يمسكون عن البحث في ذات الله لأنه بغير شبيه و ليس كمثله شيء. بل إن الإسلام ينهى عن الخوض في ذلك لما ورد في القرآن : (( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه إبتغاء الفتنة و إبتغاء تأويله و ما يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ))صحيح ان البحث في ذات الله غير ممنوع في المسيحية و أن المسيحيين يفردون مجالا للبحث عنه تحت إسم "علم اللاهوت المسيحي" ( هو بريء من العلم و العلماء بالطبع لانه لا يخضع لقواعد العلم التجريبية ) إلا أن جل ما يقولونه عن الله أنه إله واحد مثلث الأقانيم و ان الله روح بسيط لكنهم لا يقولون ما هي تلك الروح و لا ما هي طبيعتها و هكذا فإن المسيحية تفسر الماء بعد الجهد بالماء, فهم حين يقولون أن الله روح و لا يقولون ما هي الروح, يعرفون مجهولا بمجهول و غامضا بغامض.3- الإله يختلف من دين لآخرفبرغم حتمية الجهل بالإله التي يعلنها كل دين و برغم منع التقصي و البحث عن ذات الله في الإسلام إلا أن هناك بعض الصفات المذكورة في كل دين.لكن لو حاولنا أن نستخلص من تلك الصفات بعض الخصائص المشتركة بين الاديان بحيث نبحث عن وجود الإله بمعزل عن الأديان المختلفة لإستعصى علينا الأمر و ذلك لأن الصفات المذكورة عن الإله تختلف من دين إلي دين و من عقيدة لأخرى.فقد ورد في الإسلام من صفات الإله أنه واحد احد فرد صمد لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا احد , وسع كرسيه السماوات و الأرض.في الإسلام، الله هو الإله الحق وغيره إله باطل عند من عبده من المشركين. فالمسلمون لا يعبدون إلا الله وهذا معنى لا إله إلا الله, فالله هو خالق السماوات والأرض وهو المحيي والمميت حي لا يموت ليس له صاحبة ولا أب ولا أم ولا أخ ولا أخت ولا ابن ولا بنت فهو (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) سورة الإخلاصولله الأسماء الحسنى منها ما ورد في قوله تعالى:"هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ" سورة الحشر آية 23و في المسيحية الإله واحد أيضا و لا شريك له كالإسلام و لكنه ليس واحد أحد بل واحد مثلث الأقانيم.و المسيحيين هنا يشبهون الله بقرص الشمس فكما أن الشمس نار و نور و حرارة فالله الواحد آب و إبن و روح قدس.و هو روح بسيط – أزلي أبدي – قادر على كل شيء – عديم التغير و التحول – غير محصور في مكان – مدبر كل شيء – عليم حكيم – قدوس, كامل, جواد.إذن إتفق الإسلام و المسيحية على وحدانية الإله و إختلفوا في شكل الوحدانية ..اللاهوت المسيحي يقول أن الله روح بسيط بينما الإسلام يمتنع عن الخوض في ذلك ..لكن ليس ما أريده هنا هو الصفات الإلهية كما وردت في الأديان بل أريد ان أستدل على الإله بعقلي و فهمي فقط بغض النظر عن الأديان لأننا لو نزعنا من الاديان كتبها المقدسة التي تشهد لنفسها و لآلهتها فما الذي يتبقى من الدين و يستند على العقل وحده و الإستدلال العلمي فقط و ليس على التسليم الأعمى, لا شيء.و هكذا يستحيل علينا تعريف الإله بعمومية مستدلين عليه من الطبيعة إلا بأنه خالقها ..و لا يمكن ان نستدل عليه بالعقل إلا بأنه يفوق العقل .. فالله غير معقول بهذا المعنى.فيكون الله كائنا مجهولا غير معروف ماهيته و لا نوعه و لا وظيفته و لا سبب وجوده و لا أصل منشؤه و لا أي شيء, فقط علينا ان نعرف ان لدينا واحد فقط من هذا الكائن الغريب الذي لا نعرفه و انه هو الذي خلقنا و سيحاكمنا بعد الموت ..


(3) معنى الألوهية
الألوهية في جوهرها تعني إن الإنسانية ناقصة, لأن الإنسان ليس كالإله في قوته و جبروته.و هي بهذا المعنى ليست وجودا نافعا أو في مصلحة الإنسان لأن وجود الإله يذكر الإنسان دائما بنقائصه و ضعفاته لذلك فإن من مصلحة الإنسان ان يموت الإله ليصير الإنسان هو سيد الكون و رب الطبيعة.إن وجود الإله عموما يعني عدم وجود الإنسان لأن الإله كامل و خالد و قادر و غير محدود بمكان لكن الإنسان فاني و ضعيف و محدود بالمقارنة به, وجود الإله الغير متناهي يعني ذوبان الوجود كله في ذاته و إندماجه في الإله لحد التماهي.الألوهية في كل الأحوال تعني ضياع الإنسانية و إنسحاق الإنسان و سلبه حريته و مكانته في الطبيعة و التي إكتسبها بكفاحه و نضاله مع ظروف المعيشة, إن وجود الإله يعني أن الإنسان لم يعد حرا و إن مصيره مرهون دائما بإرادة الإله و رغباته, يعني ذوبانه في الذات الإلهية و إنسحاق إرادته تحت وطأة الإرادة الإلهية.صحيح إن الإله يمثل ذروة الطموح الإنساني في قيادة الطبيعة و السيطرة على مقدراته و لكن لأن الإله يعتبر ذاتا مختلفة عن ذات الإنسان فإن وجود الإله يحقر من وجود الإنسان و يهمشه و يخلع عليه مكانة العبودية كما هو في عدة اديان.النقطة الإيجابية الوحيدة أن وجود نوع آخر من الكائنات الحية العاقلة مثل الآلهة أو الكائنات الفضائية يعني إن الإنسان ليس وحده في هذا الوجود, و هذا يقتل الوحشة في هذا الكون الفسيح ..وجود صحبة للإنسان يستدعي كل إمكانيات التعاون و الصراع مع تلك الصحبة فوجود إله في هذا الكون يعني إحتمال الخلاف او العداء مع الإله كما أنه يعني إحتمال التعاون و الصداقة, و طبعا هناك إمكانية للغزو و الإستلاب من قبل الإله كما هو في مشروع المؤمنين بالله و كلها إحتمالات لشكل العلاقة مع كائن حي عاقل مختلف عن الإنسان.و رغم إن وجود صحبة لنا في الوجود يعتبر خبر جيد على كل حال أيا كانت نوعية تلك الصحبة, سواء كانت إله أو ملاك أو جن أو كائن فضائي فكلها تكسر وحدانية الوجود الإنساني و ترمي صوتا آخر في وسط الصمت الكوني السائد, و ربما بسبب ذلك يتمسك المؤمنون بالآلهة بعقائدهم طمعا في صحبة أفضل من الصحبة البشرية, لكن من اجل العقل و المنطق لا يمكننا أن نصدق فكرة ما لمجرد انها فكرة معزية بل الإسلم هو ان نتقصى عن الحقيقة و أن نتقبلها سواء كانت حقيقة مفرحة او موجعة.اما لو كان الإنسان يعيش وحيدا في هذا الكون فهذا يعني أنه يجب ان يعتمد على نفسه تماما و أن يتكل على عقله و ذراعه فقط, فلا توجد آلهة لكي تنقذ أو تحمي و لا يوجد أب يرعى من علياؤه في السماء السابعة ..لكن كيف نشأ الدين في عالم بلا آلهة ؟إن عدم وجود إله و وجود الاديان مع ذلك يعني ان الإنسان يتمنى وجود صحبة له في هذا الكون و لذلك إخترع الكائنات المخفية التي تسليه في وحدته ..و طبعا هذا يعني أن الإنسان البدائي لم يكن في حالة إشباع إجتماعي حين إخترع الأصدقاء الخفيين Imaginary friends و كما ان الأطفال المتوحدين يخترعون الأصدقاء الخفيين فإن الإنسان يبدو انه كان يحتاج ليد حانية تربت على كتفه و شعور بالطمأنينة في هذا الوجود الموحش ..و هذا يعني ان فعل التدين يعبر عن حالة فشل إجتماعي لأن من يخفق في إقامة علاقات إجتماعية حقيقية مشبعة يضطر لإختراع علاقات وهمية مع كائنات وهمية, فالتدين بهذا المعنى فعل سلبي و ضار لانه يغذي حالة الإستغناء عن الناس, و مرة أخرى فإن الخبر السعيد ليس بالضرورة هو الخبر الحقيقي بل إن النضج يكون مؤلما في بعض الاحيان.و كما ان الطفل في العالم الغربي يتخلى سريعا عن أن شخصية مثل بابا نويل شخصية حقيقية فعلى الاطفال في العالم كله أن يتخلوا عن فكرة وجود بابا الله الذي يرعى و يحمي من السماء.إن فكرة وجود صحبة بوجه عام ليست فكرة سيئة لكن ليس حين تكون تلك الصحبة أكثر جبروتا و نفوذا من الإنسان و ليس و هي تسعى لإستعباده و فرض سيطرتها عليه.إن وجود الإله يعني وجود عدو باكثر من وجود صديق لأن الإله كما يظهر في الأديان لا يحترم حرية الإنسان و لا يكتفي بعلاقة صداقة معه بل إن الإله يسعى دائما لغزو الذات الإنسانية و إستعبادها و تقرير مصيرها بغض النظر عن اي إعتبارات.إن حياة الإله تعني موت الإنسان و عبوديته و ذله و سجنه في وجود ضيق و محدود هو وجود العابد لمعبود أفضل منه و اقوى منه.أما موت الإله فيعني تحرر الإنسان و إنطلاق إرادته حره في هذا الكون, يعني إنتهاء وجود من يشغل عرش الرب غير الإنسان, الإنسان رب الطبيعة.موت الإله يعني ميراث الإنسان لأدارة الكون و تحقيق إرادته في الحياة, لهذا يجب أن يموت الإله .. لكي نرثه و ننعم بميراثه, و هذا يعني إن الإله و لو كان موجودا فيجب على الإنسان قتله سعيا لحريته و تعظيما لمكانته, هذا لإن إمكانية الصداقة مع الإله مستحيلة طالما أن الإله يطالب بعبودية الإنسان و خضوعه الكامل, فالأشرف للإنسان أن يموت حرا و هو يقاتل و يقاوم الآلهة مثل بروميثيوس عن ان يخضع لعبودية مقيتة لذات غريبة عنه.طبعا كل تلك المعاني عن وجود الإله أو حياته أو موته هي معاني إفتراضية بمعنى أنها تفترض وجود الإله و موته لنعرف ما يعنيه هذا بالنسبة للإنسان, لكن كل تلك الإفتراضات لا تعني إقرار الباحث بوجود الله فعلا أو موته بل إن الخوض فيها هو من باب الجدل لا أكثر.


(4) الألوهية بين التعدد و التوحيد
كثيرا ما رأيت إتهامات من المسلمين للمسيحيين بأنهم يشركون بالله حين يقولون بإله واحد مثلث الأقانيم و بأنهم كأنما يقولون بثلاثة آلهة, غير أنني أتساءل : لماذا يعتبرون أن التوحيد أفضل من التعدد ؟يقولون ان التوحيد ظهر بظهور الدولة المركزية في الحضارات القديمة و لكنني اعتقد أن التوحيد مرتبط بالحكم الديكتاتوري الأحادي في الشرق القديم (و ربما إلي الآن) , فكل الامم المتحضرة قديما من إغريق و رومان و فراعنة و آشوريين و بابليين و فينيقيين و غيرهم كانوا يؤمنون بتعدد الإلهة. التوحيد لم يظهر للوجود إلا على يد الفرعون الديكتاتور إخناتون الذي أراد سيطرة تامة على المصريين بدين أحادي ديكتاتوري.و الواقع إن فكرة الإله الواحد الفرد الصمد هي فكرة جديرة بالقبائل المتخلفة مثل اليهود القدماء و العرب القدماء, هذا لان أحادية السلطة الكونية هي إنعكاس مباشر لأحادية السلطة الأرضية على القبيلة بينما تعدد الشخصيات الإلهية يعبر عن إتساع أفق و ديموقراطية المؤمن.كما أن فكرة الإله الواحد تعتبر فكرة ضد الإجتماع نفسه, فلماذا يخترع الناس إله فرد طالما أنهم من الممكن ان يخترعوا آلهة مجتمعة !, إنه حرمان من الفردانية بسبب سطوة و تعالي مجموع القبيلة مما يسبب شوق للذات الوحيدة الحرة المريدة, شوق للتفرد و الوحدانية و نبذ للإجتماع الغاشم الساحق للفرد.يعني وجود إله وحيد, ألا يثير تساؤلات مثل : كيف نشأ هذا الإله ؟ و لماذا ليس له انداد يشبهونه ؟و هل خلق الإله الوحيد كائنات عاقلة لكي تسليه في وحدته الموحشة و تفرده المقيت ؟إن وجود إله واحد وحيد يعني بالقطع أنه إله مجنون لا يفهم معاني إجتماعية مثل الحب و التراحم و التعاون, و كيف سيفهمها طالما انه كائن فريد من نوعه و ليس له أنداد يشبهونه, وحيد و متوحد و لا يعرف معنى الإجتماع.إن وحدانية الإله تعتبر فكرة رجعية و متخلفة لانها تعبر عن ديكتاتورية السلطة و الإنفراد بصنع القرار. إله وحيد بالتأكيد لن يستشير احدا في أي قرار يتخذه و بالتأكيد لن يفهم معنى الإختلاف و حرية الرأي. و لذلك نجد الإله الفرد الصمد في الإسلام و اليهودية يأمر بقتال الكفار لأنه إله شيخ قبيلة أساسا و ليس إلها كونيا واسع الأفق ليسع كل الناس.و هل كانت آلهة الأغريق تستعبد الناس ؟ أبداإن آلهة الإغريق و الرومان الجميلة كانت متنوعة و ديموقراطية و تمجد الحياة و الإنسانية و تعبر عن تعدد مجالات الحياة و سعة أفق الناس بأكثر من آلهة اليهود و المسيحيين و المسلمين الواحدة الوحيدة. و لهذا اجاد الأغريق الفلسفة كما أجادوا الميثولوجيا فالمجتمعات تعبر عن نفسها بأديانها و تجسد حياتها و نظمها في شكل ميثولوجيا.و لذلك عبرت الأمم الحرة عن آلهة عديدة متحررة و عبرت الأمم المستعبدة عن إله فرد يستعبدهم جميعا.
(5) العلاقة بين الإنسان و الإله
كيف يمكن ان تنشأ علاقة بين نملة و اسد ؟إن العلاقة الوحيدة المحتمله بين الإنسان و الإله هي أن يكون الإنسان هو الحيوان الأليف للإله. طبعا أنا لا يشرفني أن أشبه الإنسان بأنه نملة أو حيوان أليف و هو الكائن المتطور الواعي العظيم, لكنني إحتجت التشبية لكي أوضح الفكرة و هي إن الإنسان و الإله ليسوا اندادا و المعروف أنه يستحيل إقامة علاقة صحية متكافئة إلا بين الانداد.أما علاقة العبودية التي تقررها الأديان فهي أبعد ما تكون عن العلاقات الصحية, فالإله في الاديان التوحيدية بالذات لا يفسح مكانا للإنسان في علاقته به فهو خلقه ليصير عبدا له يطيع اوامره او يكويه بالنار لو عصى ثم يعلن انه إله رحيم محب للبشر مع أنه لا يحتاج أحدا بل الجميع يحتاجون إليه.لكن كيف يمكن ان يقيم الإنسان علاقة صحية مع كائن لا يحتاج إليه بل لا يحتاج لأي شخص اصلا ؟كائن متعالي تكبر هو الإله, نعم الإله في الإسلام متكبر هكذا بكل صراحة. و هو في كل الأديان منزه عن الإحتياج, إذن لماذا خلق الإنسان ؟في الإسلام خلق الله الإنسان ليعبده و هذا في عرف المؤمنين لا يحتسب كإحتياج من الله لأن يعبد (بضم الياء) بل إن الله قادر على الإستغناء عن عبادة الناس له. لكن الحقيقة هي إن الإله مجرد فكرة تقتات على إيمان الناس و ركوعهم على الأرض, إن الله لا يكتسب قوة إلا بصلوات الناس و تقديم فروض الطاعة و الولاء, لكنه بدون الناس سيموت كفكرة كما ولد كفكرة.و بالطبع فإن المقابل للإله الغير محتاج لأحد هو إنسان في كامل الإحتياج لله و لنعمه و عطاياه, إنسان يعيش على الإستجداء من الإله : يارب إفعل لي هذا , والنبي .. يارب إحمني من ذلك , و حياة العدرا .لكن ماذا عن إنسان قرر أنه لا يحتاج الإله و لا يريد منه شيئا ؟إنسان يريد ان يعتمد على ذاته و مجهوده فقط دون ان يستجدي شيئا من الإله, هذا هو الإنسان الملحد الكافر.إن العلاقة المحتملة بين الإله (سواء كان موجودا فعلا أو كفكرة خيالية) هي علاقة الإحتياج الكامل من الإنسان الضعيف العاجز أمام لا إحتياج كامل من الإله المنزه القوي القادر. هي ليست علاقة تكاملية بمعنى ان طرفيها لا يتكاملان ببعضهما بل هي بالأحرى علاقة إعتمادية حيث يعتمد فيها طرف على الآخر دون ان ينتظر هذا الطرف الآخر أي شيء فحتى الأوامر الإلهية للناس هي أوامر المفروض أنها تعمل لصالحهم لكن الله لن يستفيد شيئا من تنفيذها و لن يخسر شيئا لو لم تنفذ لأنه كامل متكامل منزه عن الإحتياج.لكن أي إنسان لديه شيء من الكبرياء سيرفض إنعام الله عليه و سيحاول ان يكون ندا مساويا له فلا يستجدي أو يتذلل لسيد لا يحتاجه و لا يشكل معه أي فارق.إن الإله لا يبكي و لا يندم, إنه منزه عن الحب لأنه منزه عن المشاعر الإنسانية, منزه عن الشعور بالألم لفقد المحبوب, منزه عن أي إحتياج من المحب للمحبوب. لذلك فعلاقة الإنسان بالإله علاقة بعيدة تماما عن الصداقة و الحب. إن الله لا يحب احدا لأنه لا يحتاج احدا و لا يجد لنفسه ندا.إن الإله قاسي القلب و يسهل عليه أن يرمي نصف البشرية في جهنم لكي يتدفأ عليهم في سماؤه لو فقط خالفوه في الراي و قرروا غير ما يريد. فوجود المعتقلات الإلهية المسماة جهنم لهو أبلغ دليل على ضياع أي معنى للحرية في علاقة الإنسان بالإله حيث على الإنسان ان ينصاع او يتم شواؤه في جهنم لكي يرضي عدل الإله.لذلك و من باب الندية و المساواة و على إفتراض وجود الإله أصلا فإن من الواجب ألا يحتاج أي إنسان للإله في أي شيء بل يتجاهله تماما و يعمل بمفرده و بمساعدة أنداده الناس.
(6) الألوهية ضد العقل
قوة مطلقة أو غير متناهية أو قوة واحدة منفردة ..الفيلسوف الإسترالي صموئيل الإسكندر يعتبر أن الإله متطور من المادة و لم يخلقها.لذلك فإن لفظة "إله" تلك قد إتسعت و تشعبت معانيها لتصبح موازية لأي شيء, فهي تعبر عن اشكال و انواع مختلفة من الآلهة هي تقريبا بعدد كل إنسان يؤمن بوجود آلهة.و حتى في الأديان التوحيدية الإله علامة إستفهام كبيرة, نجد إختلافا الألوهية كمبدأ هي ان يكون هناك إله أيا كانت صفاته, أما عن ماهية هذا الإله فلنقل أنه : القوة المطلقة الواعية الوحيدة الخالقة للوجود المادي.التعبير غامض و لا يغني او يسمن من جوع لكنه اقصى ما يمكن الحصول عليه, يتبقى إذن البحث في إمكانية تحقق الألوهية من حيث المبدأ. و هل يمكن ان يكون هناك إله ام يستحيل وجوده على الإطلاق أم إن الأجابة النموذجية هي : لا آدري . غير انني ادعي أن المسألة سهلة و عقلانية للغاية و إن هناك من المشاكل المنطقية ما يجعل وجود الإله مستحيلا أو على الأقل صعب التصديق و ذلك لعدة أسباب :1- الجهل بالإله , قلنا إفتراضيا أن الإله هو : القوة المطلقة الواعية الوحيدة الخالقة للوجود المادي, غير إن الناس و الأديان لم يتفقوا على هذا التعريف بالإله و لا على أي تعريف آخر, فالأديان لم تتفق على صفات الإله بل و حتى لم يعرفوه تعريفا دقيقا ..البوذية مثلا تقول أن الإله قوة عمياء غير عاقلة ..وليام جيمس صاحب مذهب البراجماتية يرى أن الإله أكبر من الإنسان و أقدر على معونته من سائر الموجودات لكن لا يلزم أن يكون بين الإله الواحد الفرد الصمد في الإسلام و الإله الواحد مثلث الأقانيم في المسيحية. و يبدو إن الإله في الإسلام محدود بمكان لأنه يجلس على عرش ووسع كرسيه السماوات و الأرض بينما في المسيحية هو غير محدود بمكان. في المسيحية الله روح بسيط بدون أي ذكر لماهية الروح بينما ماهية الله مسكوت عنها تماما في الإسلام. ما احاول فعله هنا هو ان استخلص معنى لكلمة "إله" يتفق عليه الجميع دون جدوى, و لو كان الإله موجودا حقا فيجب أن يكون مشهودا له بالعقل و الطبيعة. يجب أن تكون ماهيته معروفة على الأقل لأنه ليس ظاهرة عمياء مثل ظاهرة الجاذبية بل هو كائن من المفترض انه موجود و حي و له آثار. يعني ما هو الإله تحديدا ؟- هل هناك إله موجود ؟ هل هو موجود وجود مادي مثلما يوجد الإنسان و الحيوان و الشجر ؟- هل له شكل ؟ هل له حجم ؟ هل يشغل حيزا من فراغ ؟ هل هو ماليء الكل ؟- هل الإله حي حتى الآن ؟ هل هو حي مثل الإنسان و الحيوان و الأسماك ؟- من أين اتى الإله و من الذي اوجده ؟- هل الإله ازلي أبدي ام له بداية و نهاية ؟ ألا يموت أبدا ؟ كيف يكون حي و لا يموت ؟- هل الإله خالق المادة ام مخلوق من المادة ؟- هل الإله مطلق أم نسبي ؟- هل الإله واحد ام اكثر ؟ و لو كان واحدا, هل وحدته مفردة أم مثلثة أم مربعة ؟- هل الإله واعي و يعقل ام هو بلا وعي ؟- هل الإله ذات ام معنى أم طاقة أم قوة أم مادة ؟عموما أيا كانت الإجابات التي أجابتها الأديان او لم تجبها فهي مجرد تأملات بلا قيمة لأنها بلا دليل.يعني هناك من يقول أنه روح و هناك من يقول انه مادي و هناك من يسكت تماما.هناك من يقول أنه متجسد و له شكل و هناك من يستنكر و يقول أن الإله لا شكل له, و كلاهما بلا دليل.هناك من يقول انه في السماء السابعة يجلس على عرش , وكرسيه وسع السماوات و الأرض و هناك من يقول انه غير محدود بمكان و انه ماليء الكل.هناك من يقول أن الآلهة تتزوج و تنجب و هناك من يقول لا صاحبة و لا ولد و لا أب ولا ام.من الصادق و من الكاذب ؟ بل من يملك الدليل على أي شيء مما يقول ؟طبعا لا احد ..فمن الواضح إن الإله خرافة يفتي فيها كل من هب و دب بلا دليل, سواء موسى أو المسيح او محمد او غيرهم كثير فالكل يتكلم بأشياء صعبة التخيل بلا أي دليل.

2- الإله ميتافيزيقي بالطبع, مع إن الإله مجهول إلا ان هناك بعض الاشخاص و الاديان الذين يصفونه بصفات معينة, منها مثلا إن الإله روح أو إنه يفوق المادة بوجه عام.و الواقع إن فكرة وجود إله بهذة الصورة هي فكرة تتجاوز العقل و المنطق و الفطرة الطبيعية للإنسان. لإن فكرة الألوهية لا تكتفي بوجود الآلهة فقط بل إنها تعني وجود عالم كامل ميتافيزيقي مواز لعالمنا الفيزيقي و يتضمن وجود الروح و خلودها و وجود الجنة و النار و الملائكة و الشياطين و الجن و العفاريت و الأشباح و المعجزات و الخوارق.إن فكرة وجود إله غير مرئي يسيطر على عالمنا مبررة بوجود عالم كامل غير مادي يفوق الطبيعة و قدرة العقل البشري على الإدراك. عالم يتجاوز نطاق المحسوس و المعقول, عالم يفوق التجربة و يقع فيما وراء الطبيعة و بالتالي إذا كان هذا الوجود فائق للطبيعة المادية فلن نستطيع ان نعقله او نحسه او نتاكد منه بأي وسيلة, فهو وجود يتجاوز العقل و الإحساس و يتجاوز القدرة على التصديق.و لهذا حين سئل محمد عن الروح رد بإستنزال آية قرآنية هي : و يسألونك عن الروح قل الروح من امر ربي و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا . تلك الآية تعني الجهل و حتمية الجهل بالروح و كل ما هو فائق للطبيعة لأنها غير قابلة للشرح او التفسير.المشكلة إن الفارق بين الميتافيزيقيا و الخرافة ربما لا يكون واضحا لتلك الدرجة, فكل شخصية خيالية إخترعها الإنسان تعتبر شخصية فائقة للطبيعة إبتداءا من الجن و العفاريت و ليس إنتهاءا بالكونت دراكيولا و المذؤوبين .فلا يمكن أبدا ان نعتمد على حكايات خيالية و قصص غريبة لكي نؤسس عليها إيمان يستحيل التأكد من صحته. إن الميتافيزيقيا تعجيز للعقل و تهميش للحياة المادية و إحتقار للطبيعة و الواقع. و لان الطبيعة متنوعة جدا و عميقة جدا و لأننا لم نكتشفها كلها بعد و ربما لن نحتويها في معارفنا كلها أبدا فلا توجد حاجة اصلا لتجاوز الطبيعة عن طريق إيمان بأشخاص و حوادث تفوق الطبيعة.إن الطبيعة غنية وغنيةجدا و نحن في صراعنا معها قد حققنا نجاحات كبيرة بما يسمح بالتصالح معها, يعني لا ضرورة للإغراق في الخيال و أحلام اليقظة عن الآلهة و الملائكة و الشياطين من أجل تجاهل وجود حقيقي و واقع فعلي .ما الحاجة لتخيل إله يتحكم في الطبيعة إذا كان الإنسان يتحكم فيها فعلا. ما الحاجة لإختراع كائنات و ظواهر تفوق الطبيعة إذا كانت الطبيعة غنية بما فيه الكفاية. إن إستبعاد الميتافيزيقيا هو حتمي لأنه إستبعاد للإيمان الأعمى الغير قائم على دليل لأن الميتافيزيقيا هي أقوال فارغة بلا دليل و لا يمكن الحصول على دليل مادي او طبيعي يثبتها لأنها ببساطة تفوق المادة و الطبيعة.و لان الإيمان بما يفوق الطبيعة يفوق قدرة الإنسان على التأكد و التثبت نجد المسيح يقول للتلاميذ حين لم يصدق توما انه قام من الاموات : طوبى لمن آمنوا و لم يروا.أي طوبى لمن آمن دون ان يتأكد مما يؤمن به لأن التاكد من وجود أماكن او حوادث او أشخاص ميتافيزيقية هو ضرب من المستحيل. و كيف يمكن لأي شخص عاقل أن يصدق أن الميت يقوم من الموت بعد أن مات فعلا, و كيف يمكن لأي شخص عاقل أن يصدق وجود المعجزات و الخوارق بجملتها.لذلك فإن إستبعاد الميتافيزيقيا عموما و الألوهية ضمنيا يعتبر امر بديهي لكل من يمجد الطبيعة و الواقع و العقل.

3- الإله متناقض منطقيا- هناك مجموعة من المتناقضات قرأت عنها و اجدها في الألوهية و التي تجعل التصديق بوجوده صعبا للغاية. و طبعا التناقض المنطقي يلزمني بإنكار وجود الإله لأنه لا يمكن للإنسان ان يؤمن باي شيء بالإستغناء عن المنطق و عن الدليل. و من تلك التناقضات :التناقض الأول : لا يمكن ان يكون الإله ذات مطلقة Absolute Person .فهو إما ذات و إما مطلق و لا يمكن ان يجمع بين هذين الضدين. إن الكمال المطلق معنى من المعاني يتعارض مع الذاتية لأن الذاتية لا تكون بغير حدود.فالإله لو كان موجودا وجودا مطلقا أو كان مطلقا باي صورة من الصور لا يمكن ان تكون له أيضا ذات واعية بل يكون غير شاعر بنفسه و ليس صاحب ل (انا) تتشخص في كيان.يعني لو كان الإله أزلي أبدي, بلا بداية أو نهاية فلا يمكن ان يكون إلا الزمان نفسه و الزمان لا عقل له و لا ذات.و لو كان الإله يملأ كل الأماكن فهذا يعني أنه هو و المكان واحد. و المكان لا عقل له و لا ذات.و لو كان الإله هو الزمان نفسه و المكان كله أي الزمكان بشكل مطلق فهذا يعني انه الوجود ذاته و الوجود ليس ذاتا و لا يعقل.أيضا لا يمكن ان يكون الإله خيرا بصورة مطلقة لنفس الأسباب و هي أن الإله وقتها سيكون معنى و ليس ذاتا عاقلة لان الإطلاق ضد الذاتية و الذاتية ضد الإطلاق.و هذا يضطرنا للقول أن الإله لو كان موجودا فلا يمكن ان يكون مطلقا أو كاملا بل يجب أن يكون نسبيا و ناقصا كالبشر و إما أن يكون مطلقا و كاملا و لكنه بلا ذات و لا يعقل.التناقض الثاني : لا يمكن ان يكون الإله كلي الصلاح omnibenevolent و مخيرا في ذات الوقت.الإنسان كائن خير لانه يختار بوعي فعل الخير في بعض الاحيان. و لو كان الإله مثل الإنسان خيرا في بعض الاحيان و شريرا في احيان اخرى لكان وجوده معقولا. لكن لو كان الإله كلي الصلاح بمعنى أنه كامل لا يخطئ أبدا فهذا يعني انه خاضع لطبيعته و انه لا يختار فعل الخير.يعني الحيوان لا يمكن ان يكون شريرا لو إفترس حيوانا آخر لان تلك هي طبيعته التي تتحكم فيه, فالحيوان بلا وعي او إرادة و هكذا الإله لا يحسب خيرا لو كانت طبيعته تحتم عليه فعل الخير و ليس بإراداته.إن الطبيعة عمياء و لا تعرف معاني مثل الخير و الشر و الإرادة الحرة فقط هي التي تختار الخير او تختار الشر فإذا كان الإله قادر و يمكن ان يختار الشر و أن يخطئ فهو مخير و إن لم يكن كان مسيرا لطبيعته.فلا يكون الكائن الحي مخيرا لو كانت طبيعته هي التي تتحكم فيه سواء بالخير او بالشر بل يكون مخيرا حين يقرر بملأ إرادته أي إختيار يختار. و هكذا يكون الإله مسيرا كالحيوان لفعل الخير وفقا لطبيعته الخيرة.فإما ان يكون الإله خيرا بشكل مطلق و لكنه مسير بطبيعته أو يكون خيرا أحيانا و شريرا أحيانا أخرى يفعل الصواب أحيانا و يخطيء أحيانا اخرى و في تلك الحالة يكون مخيرا.التناقض الثالث : لا يمكن ان يكون الإله كلي القدرة omnipotent و كلي الصلاح oAmnibenevolent في ذات الوقتو ذلك بسبب وجود الشر في العالم حيث ان وجود الشر يتعارض مع وجود الإله كلي القدرة و كلي الصلاح.هناك اربع إحتمالات لا غير في موقف الإله من الشر في العالم :1- أن الإله قادر على التخلص من الشر و يريد التخلص منه فعلا.2- ان الإله قادر على التخلص من الشر و لكنه لا يريد التخلص منه.3- أن الإله غير قادر على التخلص من الشر و لكنه يريد التخلص منه.4- ان الإله غير قادر على التخلص من الشر و هو لا يريد ذلك.في الحالة الاولى الإله قادر على كل شيء و قادر على التخلص من الشر و هو يريد ذلك إذن فهو إله خير. و لكن هذا ليس الواقع لان العالم مليء بالشرور و الآلام و الكوارث التي يندى لها جبين الإنسانية.في الحالة الثانية هو قادر و لكنه لا يريد و هكذا هو إله شرير لا تصح صداقته فضلا عن عبادته.في الحالة الثالثة هو غير قادر و يريد التخلص من الشر و بالتالي هو خاضع لقوانين الطبيعة و الظروف الواقعية كالبشر و هذا لا يجعله إلها أصلا.في الحالة الرابعة هو غير قادر و لا يريد و هو بهذا قد إستكمل عجزه بشره ليصير مسخا بلا ضمير.و هذا يضطرنا للقول أن الإله اما غير قادر و إما شرير.التناقض الرابع : لا يمكن ان يكون الإله كلي القدرة omnipotent و كلي العلم omniscient في ذات الوقت - التناقض منقول من هذا الموضوع : كيف تهدم الله بسؤال واحد ؟هل يقدر الله على تغيير أمر يعلم وقوعه في المستقبل؟فإذا كان الجواب بـ(نعم) : فالله ليس مطلق العلموإذا كان الجواب بـ(لا) : فالله ليس مطلق القدرةمثال : الله يعلم بعلمه المطلق أن نيزكاً سيرتطم بالأرض غداً ، فهل يقدر الله بقدرته المطلقة على تغيير ذلك؟إذا قدر على تغيير ذلك فهو ليس مطلق العلم وإذا لم يقدر فهو ليس مطلق القدرة ومن هنا يثبت لنا أن الصفات البشرية بطبيعتها تبدأ في التداخل والتناقض إذا ما وضعت على المحور المطلق .التناقض الخامس : الإله لا يمكن أن يتخطى المنطق التناقض مترجم من ويكبيديا هنا و هنامثال :إذا كان الإله قادرا على كل شيء, هل يمكن أن يخلق جبلا أثقل من قدرته على الحمل.1- إذا كان يستطيع خلق مثل هذا الجبل فهناك ما لا يستطيع فعله, و هو حمل الجبل.2- إذا لم يكن يستطيع خلق مثل هذا الجبل فهو أيضا ليس كلي القدرة.مثال آخر :هل يستطيع الإله خلق إله آخر أقوى منه ؟1- إذا كان يستطيع فهو ليس كلي القدرة لأن الإله الآخر سيكون أقوى منه و أقدر.2- إذا لم يكن يستطيع فهو ليس كلي القدرة أيضا.و هكذا يجب أن يخضع الإله لقواعد المنطق فهو ليس منيعا إلي هذا الحد.التناقض السادس : الإله لا يمكن ان يكون غير متغير و يكون خلق الوجود مع ذلك.التناقض مترجم من هنافي الإيمان المسيحي الإله لا يتغير و لا يؤثر فيه أي شيء, طبعا هذا مسكوت عنه تماما في الإيمان الإسلامي لأن الناس تخشى من فهم الإله فهم خاطيء.1- إذا كان الخلق الإلهي حقيقي, فإن هذا الوجود قد تم خلقه بواسطة إله غير محدود.2- الإله لا يمكن أن يكون لديه دوافع أو مؤثرات داخلية مثل الإحتياج و الرغبة و الجهل و المشاعر.3- إذا كان الخلق الإلهي حقيقي, فلم توجد أي مؤثرات خارجية على الإله قبل الخلق.4- إذا كان الخلق الإلهي حقيقي, فلم يكن الإله مدفوعا بأي مؤثر خارجي قبل الخلق ( من 3 )5- الإله قبل الخلق لم يكن يملك أي دوافع مؤثرة سواء داخلية او خارجية.6- الإله ما كان يمكن أن يفعل أي شيء, و الخلق الإلهي ما كان ليحدث.و هكذا إما أن يكون الإله متغيرا و لديه إحتياجات و دوافع داخلية تحركه ..و إما أنه لم يخلق الوجود أبدا ..التناقض السابع : الإله لا يمكن ان يكون خير بشكل تام omnibenevolent و يعلم كل شيء omniscient في نفس الوقت.التناقض منقول من هنا : The God/Hell Paradoxلأن الإله إذا كان يعلم كل شيء بما في ذلك المستقبل, إذن هو يعلم أن هناك من البشر الذين خلقهم سيذهبون إلي جهنم.و هذا يعني أن الإله قد خلق بشرا لكي يحيوا مدة قصيرة على الأرض ثم يخلدوا في جهنم.و هذا يعني أن الإله ليس خيرا بشكل مطلق.و أستطيع صياغة التناقض في الشكل التالي :1- الإله كلي المعرفة2- الإله يعلم أنه سيخلق بشرا ليرميهم في جهنم.3- الإله ليس خيرا بشكل مطلق.
4- الإله خفي في الأزمان الغابرة كان الناس يتعبدون لتماثيل منحوتة أو مصنوعة من طين أو يتعبدون لقوى الطبيعة و الحيوانات الطيبة و المفترسة. كانت الآلهة ملموسة و واضحة فحين كان الناس يتعبدون لقرص الشمس كانوا يرون فيه عظمة و إجلال. لكن مع ظهور الأديان التي تحكي عن آلهة خفية تعيش معنا ولا نراها أصبحت الآلهة مجهولة و ميتافيزيقية و خفية دائما.و لهذا كانت حجة إختفاء الآلهة هي من أقوى حجج الإلحاد, لان معنى إختفاء الإله أنه غير حاضر ببساطة و حتى لو كان موجودا, فالشيء الموجود و لكنه غير حاضر يكون وجوده لا معنى له و لا طائل من ورائه.يعني مادام الإله مختفي فربما يكون قد مات أو يكون غير مهتم بالبشر و بعالمهم و هذا وارد بسبب الفارق الكبير بين الإله بقدراته و حكمته و مقامه العالي و بين البشر المساكين الضعفاء. مادام الإله مختفي فهو غير حاضر وسطنا و ليس منا و بالتالي فإن وجوده لا معنى له.ثم إن إختفاء الإله هو سبب كافي للطعن في وجوده أصلا و في قدرته على الظهور و في إهتمامه بالبشر.و إلا فلماذا لا يظهر نفسه لكل الناس مثل الشمس في وضح النهار ؟لماذا لا يعلن عن نفسه لكل العالم ليريح و يستريح ؟لماذا يترك الناس تضرب أخماسا في أسداس في محاولة فهم سبب إختفاء الإله ؟هل هو إله خجول ؟ هل شكله قبيح ؟ألا يستطيع الظهور ؟ ألا يحب الناس ؟هل يخشى الصحفيين و وسائل الإعلام ؟و هذا يجعلنا ننتقل إلي الأسئلة التالية الحتمية :هل هو موجود أصلا ؟و لو كان موجودا فلماذا هو ليس حاضرا معنا و وسطنا ؟هل هو يهتم بنا ؟ما معنى وجوده إن كان خفيا و غائبا بشكل دائم ؟و هكذا تكون الألوهية هي ضد العقل لأن :1- الإله مجهول و غير معرف2- الإله ميتافيزيقي, يفوق الطبيعة و الواقع و العقل3- الإله متناقض منطقيا4- الإله خفي دائما
أربع أسباب تدعو الى الشك في وجود اللـه كتـبه Logikal فيما يلي باختصار أربع حجج يتناقلها الملحدون الغربيون من الفلاسفة و غيرهم. وقد شهدتُ العديد من المحاضرات و المحاورات التي استفاضت في شرحها. 1- القدَر اللانظامي و سقوط مركزية الإنسان.2- البلبلة الدينية.3- التفسيرات المادية (أو سقوط التفسيرات الروحية).4- إختفاء الإله - هذه عبارة عن أربع محاور تقوم عليها النظرية الإلحادية الرافضة لإدعاء وجود الإله الإبراهيمي، أي الإله الذي يؤمن به المسيحيون و المسلمون و اليهود.1- القدَر اللانظامي و سقوط مركزية الإنسان.من الواضح أن الطبيعة لها مسار معين لا يبالي بالأشخاص أو حتى الحيوانات. فالأمراض تنتشر بلا تمييز و الحيوانات تفترس أحدها الآخر بلا شفقة. الزلازل و البراكين تضرب مناطق عديدة و تقتل البشر بعشوائية عمياء. العاهات تحد من حياة الكثيرين. ليس هناك دليل على وجود أي نظام معين أو غاية معينة فالخير و السعادة تكون من نصيب الكثير من الأخيار و الأشرار بلا عدل، و الشر و التعاسة يحدثون للأخيار و الأشرار سواسية. لا دليل على ما يسمى العناية الالهية.أما نظرية أن الانسان هو مركز الاهمية، حيث الارض هي كل ما في الكون و الشمس و النجوم يدورون حولها فقد سقطت هذه النظرية و كان سقوطها عظيما بعد أن تبين أن الارض مجرد ذرة في كون شاسع، و لا أهمية تذكر لها. 2- البلبلة الدينية.أ- تعددت الاديان و الطوائف و كل منها يكفـّر الآخر، و تناقضت التفسيرات و الفتاوى فبات أتباع الدين الواحد يحكمون على بعضهم البعض بالجحيم قبل حكمهم على الآخرين.ب - لا يوجد هناك تعريف واحد منطقي للماهية الإلهية. كل التعريفات الموجودة ثبت تناقضها الداخلي والخارجي مما يؤدي الى استحالة وجود الإله منطقيا.ج- الاثباتات التي يجيء بها الدينيون لاثبات وجود اللـه هي اثباتات متناقضة منطقيا و خالية من اي أدلة مباشرة، أي أنها لا تزيد عن كونها تخمينات شخصية.3- التفسيرات المادية (أو سقوط التفسيرات الروحية).لقد فسّر العلم الكثير من الأمور التي نسبها الناس في الماضي الى اللـه. فمثلا الرعد لم يعد صوت الالهة الغاضبة، و الامراض ليست ارواحا شيطانية بل جراثيم و علل طبيعية. و اليوم نجد أن مجمل الادلة التي يبرزها المؤمن ما تزال تنسب الى اللـه ما نجهله على طريقة: أ-( لا يمكنك تفسيركذا.... فانت كذاب) إذن اللـه هو التفسير و هذا بات يسمى بـ "إله الفراغات"، أي كلما وجدنا فراغا في العلم عجز العلماء عن تغطيته، يغطيه المؤمن بالإله.و اللافت للنظر أن هذه الفراغات كانت واسعة شاسعة في الماضي لكنها ما برحت تنكمش حتى أصبح الإله محشورا في زاوية ضيقة تتلخص في بعض الامور مثل أصل الكون و أصل الانسان، و اذا كان التاريخ يكرر نفسه، فلا بد أن العلم سيغطي هذه الفراغات بأجوبة علمية واضحة لا تترك للإله عملا يقوم به. 4- إختفاء الإله -هذه من أكبر الحجج و أصعبها و التي فشل الدين في اجابتها. فأين هو الاله الذي كان يشق البحار و يصنع المعجزات؟ هل كان عاملا و أخذ إجازة طويلة الأمد، أم أن كل ما يروى عنه مجرد أساطير مثل باقي الأساطير؟ هل هي صدفة أن الإله إختفى في العصر الحديث حيث أساليب التحقق العلمية باتت شائعة؟

(7) الألوهية ضد الحرية-يعتقد معظم المؤمنين بالألوهية نظريا, بحرية الإنسان في الإختيار و هو الشيء الذي يبرر مجازاة الإله للإنسان في يوم الدينونة و محاسبته على تصرفاته و سلوكه, غير أن طبيعة الإيمان بالألوهية تتطلب الإيمان بإرادة الإله و ليس إرادة الإنسان, فالإله هو الذي يريد و إرادته نافذه بينما الإنسان خاضع لقدره و مستسلم لمصيره الذي لا يملك تغييره بما لا يخالف إرادة الإله.و لكن الإيمان بالقضاء و القدر (كما في الإسلام) أو الإيمان بخطة الله التي أعدها للإنسان (كما في المسيحية) يعتبر ضد الحرية و ضد تقرير المصير. فمثلا الإله في الإسلام يهدي من يشاء و يضل من يشاء و في المسيحية أيضا يغلظ الرب قلب فرعون لو شاء و يحنن قلبه لو شاء كما في الخروج – إصحاح 9, فالإنسان بحسب الأديان مسير و لو إدعى رجال الدين غير ذلك.غير إن أسوأ ما في الألوهية هو أنها تعني عبودية الإنسان للإله, فالإيمان بأي دين يلزم الإنسان أن يكون عبد عند الله خاضع له و يأتمر بأمره. إن من يؤمنون بوجود إله لا يكتفون بان هناك كائن حي عاقل إسمه الله (مثلا) و هذا الكائن هو الذي يفسر الوجود و فقط, بل و لا يدعون أن الله يسعى لصداقة و حب الإنسان بل إن الإله يسعى لقهر الإنسان بإستعباده و حرمانه من حريته. و كما قال غوتز في مسرحية "الشيطان و الله" لجان بول سارتر : إذا كان الله موجودا فالإنسان عدم, و مادام الله يلغي وجود الإنسان وجب إذا إلغاء الله ليوجد الإنسان.هذا يعني ان الإنسان الذي يسعى للحرية لابد أن يثور على الآلهة (أيا كانت) لابد أن يلقي عن ظهره الندم (إختياره حريته و تقرير مصيره بنفسه), لابد أن ينبذ الشعور بالذنب (لسلوكه كيفما يريد و رفضه وصاية و أبوة الإله), لابد ان يلفظ الخوف (من الإله و من جحيمه و غضبه). لابد ان يكون حريته و يعيش وجوده و يجحد العبودية لأيا كان و لو كان إلها جبارا.إن حرية الإنسان تعني مسئوليته عن وجوده و حياته و مجتمعه و عالمه, مسئولية كبيرة كان يتحملها إله باكمله و لكنها تنتقل للإنسان بمجرد مطالبته بالحرية و حصوله عليها, لذلك فإن على الإنسان ان يتحمل نتيجة ما يفعل في شجاعة و أمل ليكون حرا, عليه أن يخوض في الحياة بقوة الإله و بإرادة من فولاذ لا يصدأ. و لكن الإنسان يضعف أحيانا فهو قد يتهرب من مسئوليته تجاه نفسه و تجاه عالمه, إن الإنسان عندما لا يريد ان يعيش حريته و يتحمل المسئولية ينسحب و يخترع له إلها يحمله كافة المسئولية و ينصاع لأوامره هو بحيث لا يعذبه إختياره أو يقلقه. لأن الحرية في معظم الأحيان شيء لا يسر و لا يبهج, على العكس إنها تلهب الإنسان بإحساس الوحدة و تقضه بإحساس الإنعزال. عندما يحس أي إنسان بحريته قد يرتجف قلبه و تنخلع مفاصله و يحس بأعصابه تكاد تعجزه عن الحركة. إن القلق يرهبه و يكاد يقتله. لأنه لا يعرف ماذا يختار, و لا ماذا سيكون مصير إختياره. لكن الإختيار الحقيقي هو الإختيار الذي يمنح صاحبه مزيدا من الحرية له و للآخرين.عندما يبدأ إحساس الناس بالحرية يبدأ الطغيان في الإنهيار فالإنسان الحر لا ينصاع و لا يخضع و لا يدخل قوالب. إنه يفكر و يعيش و يجرب بنفسه و لنفسه و للآخرين. إنه حر و هو يحس بحرية الإختيار كاملة لديه فيختار و هو مسئول عن كل قرار يتخذه من أجل ذلك.لكن الآلهة لا تريد الحرية للإنسان, الآلهة تريد أن تحصره في الشعور بالخوف و العجز و التفاهة, تريد أن تجعله أسيرا للإحساس بالذنب و الإثم و الدونية بدلا من أن يحيا حرا و يتعلم من تجاربه و يصمم على تحقيق إرادته ضاربا عرض الحائط بإرادة الآلهة.و لهذا فإن الإنسان الحر سرعان ما يثور على الآلهة او بالأحرى فكرة الآلهة. فالإله لو كان موجودا سيكون إله الأحجار و النجوم لكن ليس إله البشر الأحرار. إله على نفسه حتى و ليس على الإنسان. لو كان موجودا سيكون إله مع إيقاف التنفيذ.لو كان موجودا يكون قد أخطأ لو خلق الإنسان حرا فهو قد خلقه بإرادة حرة ثم يريده ان يصير عبدا بإختياره, و تلك مغالطة شنيعة. لكن الإنسان البطل هو الذي يجعل الحرية ترتد إلي نحر الإله فلا يستطيع بعد ذلك أن يتحكم في الإنسان.إن الإنسان بعد أن يصير حرا لا يمكن أن يعود عبدا لاحد و لا ينتسب لأحد بل يكون كالإله في إرادته المنفردة و إستقلاله و شجاعته. و كما تشهد التوراة نفسها بان الإنسان حين عصى الله قد صار مثله حرا و عارفا الخير و الشر :و قال الرب الاله هوذا الانسان قد صار كواحد منا عارفا الخير و الشر (تكوين 3 : 22)فالإنسان حين يعصي الإله بحريته يكون ندا له بل و أعظم منه لان الإنسان هنا لا يعيش حجمه و قدراته بل يتعالى على نفسه و يحاول أن يتجاوز ذاته لذلك تصير معصيته بطولة بينما الإله يعجز عن أن يكون بطلا لانه أقوى الكائنات كافة.إنها الحرية التي تجعل الإنسان العادي بطلا بقدر ما يكون حرا, لكن ليست المعصية مع الخوف هي التي تجعل الإنسان بطلا بل المعصية بشجاعة و تبجح و عناد مع القوة الأعظم, طبعا لو كان الإله موجودا.لكن مادام الإله غير موجود فإن بطولة الإنسان تكون في صراعه مع الطبيعة و ليس مع الإله, لان الإله معدوم أما الطبيعة فموجوده. لذلك فإن كفاح الإنسان ضد قوى الطبيعة هي أكبر بطولة ممكنة للإنسان و كفاح الإنسان ضد مبدأ الألوهية هو كفاح أقل بطولة و كفاح الإنسان ضد خرافات الأديان هي بطولة أقل من ذلك.يعني الواحد لا يجب أن يتحسر على موت الإله لإنعدام إمكانية معصيته و الدخول معه في صراع بطولي لأن الطبيعة و الحياة توفران للإنسان مثل تلك الإمكانية في أن يصير بطلا للحرية ..
هذه المقالة منقولة من منتدى اللدينيين العرب للزميل
Beautiful Mind