3‏/9‏/2008

ألانا الراصد

يتفاعل الانسان مع الوسط الذي يعيش فيه ويتاثر به , غير ان ما يميز البشر عن غيرهم من الموجودات, هو تطور الذاكره التي تتلقى الكثير من الانعكاسات الحسيه , تلك الانعكاسات التي تستخدم لاحقا عن طريق الربط والتركيب في التخطيط لبلوغ الغايات وتجنب العثرات. ورغم ان جميع الموجودات تتمتع بقدر او باخر من الذاكره وحتى الشجر والحجر , الا ان الانسان ينفرد عن غيره في بلوغ درجه عليا من الادراك لما يحيط به, بحيث يستطيع ان يبني استنتاجات تجريديه من مسلمات واقعيه تميزه عن غيره !وعندما يلاحظ التغير في كل ما يحيطه به تتكشف له مفاهيم وعلاقات يقوم العقل البشري بتجريدها ضمن كليات منطقيه تكون اساسا لتركيب تعميمي اكثر تجريدا,فملاحظة التغير المتصل يقود الى السببيه لفهم عمليه التغير الواقعيه الموضوعيه لتشكل الجديد وهلاك القديم, لكن العقل البشري يتحرك في ادراكه بين المتناقضات جاعلا نقطة ارتكازه او( نقطة قياسه الضمنيه ) هي الانا الذاتيه , وعندما تنتفي نقطة الارتكازالخاصه تلك يوشك العقل من فقدان صوابه ويقع في متاهه, بحيث يصعب عليه فهم ما يجري حوله .اليكم المثال التالي : لنفرض ان احدهم صرح بان كل ما في الوجود تضاعف مرتان - فهل يستطيع العقل البشري اثبات العكس ؟
المشكله تقع في انتفاء نقطة الارتكاز التي اعتاد العقل عليها سواءا كانت ضمنيه او صريحه , لذلك لا يستطيع اي ما من البرهنه على خطل ما صرح به سابقا !ولهذا- نرى التفكير في حالات مقاربه لتلك, يلجا الى ابتكار النقيض حتى يحس ذاتيا بانه في مكانه.
دعنا نعود مرة اخرى الى التغير والسببيه فعندما يحدث تغير ما,و يتم رصده من قبل الانا المفكره , تحدث مقارنه في الذاكره على الاقل بين حالتين يكون نتيجتها استخلاص الجواب عن سؤال (لماذا) وهو ما يفسر بالسبب او العليه في صيغتها التعميميه لان النتيجه في الاخيره قد تكون سابقه او لاحقه للمؤثر.
لكن ليس بالضروره , ان كل ما يدرك بالحواس يمكن تفسير تغيره بالعليه , فهناك الكثير الكثير من الظواهر الطبيعيه او حتى الذاتيه لم يتمكن الانسان من الوصول الى اصطفافها في ساحة العليه وهنا بالضبط يكون العقل في بداية متاهته وخروجه عن طوره , لكن الارتداد الى الذات يجعله في بعض الاحيان يواصل البحث والكد من اجل ضبط الظاهره ضمن حقل العليه كما اسلفنا .
في حالات كثيره وخاصة في طفولة البشريه , كان لا بد لهذا العقل من جواب - فكان المسبب الاول وهو اختراع فكري انساني بامتياز هدف الى وضع العقل في حالة التوازن المطلوبه !!لكن تسلسل الاسباب او العلل, اوحتى العله الاولى يؤدي الى التوقيف - والتوقيف ليس له من مكان في الوسط المحيط ! فما العمل ؟هنا يلجا العقل الى الاستنجاد بالنقيض , او الحد الاخر. فهو اصلا لا يستسيغ الاحاديه المفتوحه بدون نقيض !!وبهذه الطريقه يتم التناسق مع الذات في امرين1- العليه 2- التناقض , لكن التوازن الحادث لعقل الانا المفكره , لا يلبث ان تعترضه مجسات الحكم بالصدقاو الكذب, عن طريق مراجعة بديهيات التفكير وقوانين المنطق التياعتبرها مسلمات اساسيه لتشكيل الفكره التركيبيه !!يقوم العقل باستمرار بغزل مفاهيمه التركيبيه عن طريق التجريد , ولكن بالتوقيف ضمن حد التناقض ,- فالتغير لا بد له من الثبات , والجزئي له نقيض هو الكلي , والنسبي حده الاخر هو المطلق - وهكذا بحيث تتركب نتيجه تكون خارج نقطة الارتكاز المذكوره سابقا حتى تصبح عصيه على الاستيعاب العقلي , لانها شاء العقل ام ابى , نراه يدفع بالتجريد نحو الاحاديه التي تتناقض مع ادراكه, وحتى لا يبقى ذلك التجريد فكره معلقه بعيدا في الوهم , يقوم العقل بمراجعة استنتاجه ليسبغ على التجريد المتوحد صفاته التي ما تفتا ان تدخل في تناقض مع بعضها البعض , الامر الذي يسبب انهياربعض المسلمات بوصفها فاعلة كلقواعد فكريه اوبديهيات عقليه في الدائرة الكلية التى كانت وسيلة ذاتيه للتركيب التجريدىالاعم . و الادهى من ذلك - ان تلك الفكره المجرده تصبح مشجبا يعلق عليه كل قصوره! لكن الاخطر من ذلك هو توهم العقل ذاته , بانه وصل الى مراده في المعرفه المطلقه التي وكانها تنتدبه للتبشير بقدراتها وصفاتها وافعالها , بحيث يصبح وكانه هناك التحام بين التجريد المنطقي المضطرب وبين الذات الوحيده المتفرده ويعود ليدعي- من خلال وهمه- بان ما ينطق به لسانه ليس الا تعبيرا او ايحاءا من تلك الفكره التجريديه التى يتوهمها موجوده او واجبة الوجود!!ويدعو الاخر لعدم المروق عن تسلطه الفردي بدعوى الشموليه والاطلاق في ما يصدر عنه وكانه صادر عن ذلك الوهم الثابت المطلق وليد الوحدانيه التى تهز التوازن العقلي للتفكير بانتفاء التناقض