6‏/9‏/2009

مفارقات التطور ونظرية الخلق التام

هل تقول نظرية داروين بان اصل الانسان هو قرد ؟ ويحتج البعض بالسؤال - ولماذا لم تتطور القرود لتصبح بشرا؟
يشعر الكثير من الناس ومن مذاهب وأديان مختلفة بالمهانة وانحطاط القدر عندما يقال ان للانسان والقرد أصل مشترك أو سلف واحد . والصراع بين منكري التطور ومؤيديه قديم ، وما يزال ، بدأ منذ سطر دارون نظريته حول أصل الانواع وعرضها بالشكل العلمي والمنطقي الذي لم يسبقه اليه أحد رغم ان تلك الافكار كانت متداولة في الوسط العلمي. منذ ذلك الوقت نشأ مصطلحان يمثلان فئتين مختلفتين من الناس ، الفئة الاولى تسمى " الخلقيون " بفتح الخاء ، وهم الذين يؤمنون ان كل كائن حي خلق على حاله وحسبما اراد له الخالق أن يكون ، والفئة الثانية هم "التطوريون" الذين يؤمنون بالتطور الاحيائي وان الحياة نشأت منذ مليارات السنين من خلية واحدة ثم ارتقت وتطورت الى كل الانواع التي وجدت على الارض . وفيما يقرن هذا الفريق كل ادعاءاته بحجج علمية وبراهين مادية وتجارب علمية لايرقى لها الشك في معظم الاحيان ، لايجد الفريق الاول في الدفاع عن معتقداته سوى الغيب وما جاء في الكتب السماوية وأحاديث الانبياء ، وقد يجتهد بعضهم للتشكيك بالنتائج العلمية ولكن ليس بأدلة داحضة . هذا الحال موجود عند كل الامم سواء تلك التي تدين بمعتقد سماوي أو "أرضي" . ولكن ما يبعث على الدهشة أن يصل الجهل عند البعض الى درجة الغباوة ليضعوا الاعتراض التالي : (لماذا اكتفت الطبيعة (مادة + صدفة) بتطورالقرد (انذاك) وحرّكته الى بشر(حالي)؟؟؟ في حين مازالت بقية القرود تنزو وتنجب وتتكاثر قروداً عن قرود عن قرود؟؟؟؟ثم ما بال قرودنا الحالية لا تتطور الى بشر؟؟ فهل توقف التطور؟ام تعطل الدنا؟؟ ام انتهت الصدفة) . مثل هذا القول ليس الا جهل أعمى بالحقائق العلمية ، فالقرد ذاته لم يتحول الى أنسان وكما سأبين في هذه المقالات بل هناك سلف مشترك انفصل عنه نوعان هما الانسان و الشمبانزي سار كل منهما بطريق تطوري مختلف ولكنهما أحتفضا بالعديد من صفات ذلك السلف البعيد ، ثم ان الخلية الاولى التي نشأت لم تولد بالصدفة بل نتجت عن سلسلة تفاعلات كيميائية عديدة في ظروف طبيعية غير موجودة على الارض اليوم وقد تم أثبات ذلك مختبريا كما في تجارب ميلر . أما التطور فهو لم ولن يتوقف ولكنه بطيئ جدا ويستغرق ملايين السنين فأذا كان عمر الانسان لا يزيد عن مائة عام فكيف اذن يتسنى له ان يرى ذلك بأم عينيه . ان الطبيعة تركت لنا شواهد على التطور الاحيائي وتلك الشواهد مخزونة داخل الخلية ، انها جزيئة ال DNA التي تحكي قصة وجودها على الارض ، اضافة الى الملايين من الاحافير التي تنطق تاريخها بكل صدق . في عالم الاحياء لايوجد شيئ اسمه صدفة ، بل البيئة هي المحرك الاساس لكل التغيرات الاحيائية ، والبيئة اصطلاح واسع المعنى يشمل جوانب في غاية التعقيد والتأثير . سوف أتناول في هذا العرض دون اسهاب ارتقاء الانسان من جانبين ، الجانب الاول يتعرض للتشابه والتقارب بين الشمبانزي والانسان وأعني به التشابه الجيني ، ويشمل الجزء الآخر العلل الجينية (الطفرات) التي يعزى لها ظهور صفات جديدة في الكائنات الحية على المدى الطويل . وسوف اورد بعض الادلة التي اكتشفها علماء التطور الجيني أو ما يعرف بالداروينية الجديدة . واستميح القارئ عذرا بالاستطراد قليلا لايضاح نقطة مهمة في الموضوع ، فحين أتحدث عن موضوع علمي شائك مثل هذا فأني أستند الى نتائج بحوث علمية رصينة منشورة في الدوريات العلمية المشهودة ، أضيف لها تعقيباتي وملاحظاتي اسهاما في ايضاح الصورة لغير المتخصص من القراء . كما أني لااملأ المقالة بأسماء تلك البحوث لان موقع كتابات موقع للثقافة والمعرفة العامة وليس موقعا علميا متخصصا يقتضي منا الكتابة بنمط محدد صارم كما هو الحال في الدوريات العلمية ، يضاف الى ذلك فأن قراء الموقع ذوو خلفيات علمية متباينة لذا فأن الكتابة للجميع تتطلب نوعا من العمومية وسهولة التعبير دون المساس بالحقائق العلمية . قد يبدو غريبا للوهلة الاولى أن نعرف ان التركيبة الجينية للشمبانزي هي أقرب للانسان منها الى الغوريلا أو أي قرد آخر ، انها الحقيقة التي أظهرها تخطيط الجينوم البشري وجينوم الشمبانزي ، وقد دعا هذا التشابه الكبير بعض علماء التصنيف الحيواني الى اقتراح ادراج الشمبانزي ضمن جنس الانسان Homo وجعله نوعا مختلفا وليس جنسا مستقلا . هذه التشابه لايمكن تفسيره الا بأنحدارهما من أصل مشترك ، وهذا ليس استنتاجا سطحيا . وسوف أكتفي بايراد مثال واحد يدعم هذا الاستنتاج . تحتوي الخلايا الجسمية للشمبانزي على 24 زوجا من الكروموسومات بينما تحتوي خلايا الانسان على 23 زوجا ، ولكن أثنين من كروموسومات الشمبانزي هما كروموسوم p2 و k2 قد التحما من طرفيهما ليكونا الكروموسوم 2 عند الانسان . • عند فرد كروموسومي 2 في الشمبانزي ووضعما رأسيا فوق بعضهما فأنهما يعطيان التخطيط الحزمي لكروموسوم 2 عند الانسان دون أي أختلاف يذكر . • في نهاية كل جزيئة DNA هناك سلسلة متعاقبة من القواعد النيتروجينية تسمى تيلومير ، ويختلف ترتيب القواعد فيها و طولها بأختلاف الكائن الحي ، ولها وظيفة مهمة أثناء انقسام هذه الجزيئة كما انها تحمي طرفها من تأثير الانزيمات . لو نظرنا الى الكروموسوم 2 عند الانسان فأننا سنرى تيلوميرات الشمبانزي في وسط الكروموسوم 2 تماما في المكان الذي التصق فيه طرفا كروموسومي القرد . • توجد على كل كروموسوم منطقة معينة تسمى سنترومير لها وظيفة مهمة أثناء الانقسام الخلوي ، موقع السنترومير واحد في كروموسوم 2 عند الانسان وكروموسومي 2 في الشمبانزي . تتشابه جينات الانسان والشمبانزي بنسبة تزيد عن 96% ، ولكن لابد من التساؤل ان كنا متشابهين الى هذا الحد فما الذي يجعل من الانسان انسانا و من القرد قردا . هذا السؤال طرح في العقد الاخير بعد ان تم تخطيط الجينوم البشري وجينوم الشمبانزي بالكامل . تحتوي جزيئة DNA الانسان على ثلاثة مليارات قاعدة نيتروجينية ، مها 40 مليون قاعدة ليس الا غير موجودة عند القرد ، وكما ترى فأنه رقم ضئيل بالقياس للعدد الكلي للقواعد ويمثل نسبة تقل عن 4% من التركيبة الجينية ككل . في هذه الملايين الاربعين يكمن اللغز الذي يجعلنا بشرا . وأذا أردت ان أحول هذه الارقام الى شكل مفهوم أكثر فأن 53 جينا فقط من مجموع 30000 جين فعال في الانسان غير موجودة في خلايا الشمبانزي . هذه الجينات في الواقع تحدد صفات محددة عند الانسان مثل المشي على قائمتين و القدرة على النطق و حجم الدماغ ، أضافة الى ان عددا منها تسبب أمراضا معينة . كذلك يوجد في الشمبانزي بضعة جينات تختفي عند البشر ، وكمثال على هذا الجين المسمى caspase-12 الذي اختفى من الانسان ولكن أختفاء هذا الجين هو المسؤول عن مرض الزهايمر الذي يصاب به البشر في سن متقدمة بينما لايصاب الشمبانزي بهذه المرض . كذلك فأن الجين foxp2 غير موجود في الشمبانزي لكنه الجين المسؤول عن النطق . ان العلم في تقدم مضطرد وسريع ، خلال العقد المنصرم جرى تخطيط الجينوم لاكثر من 180 كائنا حيا بضمنهم الانسان . وقد كانت النتائج مدهشة ، فالفأر والجرذ لهما جينات موجودة في الانسان ، ويتشابهان من الناحية الجينية بنسبة 88% مع البشر ولهذا كانت التجارب الطبية والدوائية تجرى على الفئران . أما الكلب فيتشابه مع الانسان (جينيا) بنسبة 75% ، والدجاجة بنسبة 60% و ذبابة الفاكهة بنسبة 50% . وفي أحد الاسماك البحرية التي تسمى محليا في منطقة الخليج بالحمارة فقد وجد 961 جينا بشريا أو الاحرى ان لدينا ذلك العدد من الجينات السمكية لانها أقدم منا في الوجود على الارض . الى ماذا يقودنا كل ذلك التشابه الكبير ، لابد ان ذلك كان موجودا في أصل مشترك قبل ان تنفصل الانواع في السلم التطوري ، ومن البديهي القول انه كلما قلت نسبة التشابه كلما ابتعد في الزمن وقت أنفصال الاحياء والعكس صححيح . واذا عدنا الى السؤال الاول ، ما الذي يعطي الكائن الحي خصوصيته اذا كان كل هذا التشابه الجيني موجودا . أجنة الانسان والقرد والحصان والدجاجة كلها لها ذيول في بداية نموها ، مالذي يجعل ذيل الانسان يتوقف عن النمو ويستمر ذيل الحصان بالنمو . هناك في الواقع مجموعة من الجينات مهمتها السيطرة على عمل الجينات الاخرى ، انها مثل رب العمل الذي يوجه عماله لاداء المهام المختلفة ، فهي تسكت جينات معينة في وقت معين و توقظ جينات اخرى من سباتها في الوقت المطلوب . جينات السيطرة هذه مهمة جدا لتحديد الشكل العضوي للكائن الحي . بعض هذه الجينات متشابه في الحيوانات لانها ورثته من سلف واحد ، وبعضها طرأ عليه بعض التغيير الذي عدّل من وظيفته استجابة لتغيرات بيئية كبيرة . من أمثلة هذه الجينات بعض تلك المسمات جينات هوكس hox genes والتي وظيفتها السيطرة على وقت وشكل الاعضاء اثناء النمو الجنيني ، فهي التي تحدد اين يجب ان ينمو الرأس وأين ينبت الذيل مثلا ، وقد تلاعب الباحثون في هذه الجينات في المختبر فكان ان نما الرأس على البطن أو برزت الاطراف في غير مكانها وهكذا . ان التفاعلات البيوكيميائية داخل الخلية معقدة الى الدرجة التي يصعب تخيلها ولكن الجينات تتحكم بها بشكل بالغ الدقة بحيث تجري بأتساق وتناغم هرموني لايقبل الخطأ . ما الذي يحدث ياترى كي تختلف الجينات عن بعضها ، أو ماالذي يجعل الجينات تتغير مع الزمن ؟ ..
وهنا روابط يعزز هذه الفكرة
وللاستزادة في هذا الموضوع يمكن قراءة الرابط التالي

ليست هناك تعليقات: