29‏/3‏/2008

ألصدفة والمصادفة في التفكير اللاديني

يبدو ان عنوان الموضوع " الصدفه والمصادفه في التفكير اللاديني " قد فتح شهيه الجميع الفكريه لتناول مفهوم الصدفه والانطلاق الى رحاب اوسع لطرح المرتكزات الفكريه والاهداف النهائيه للمنظومات الفكريه المتناقضه - الفكر الديني في مقابل الفكر العلماني.
وعند تتبع الردود المختلفه والمداخلات القيمه للزملاء الاكارم , ارى من الواجب الاشاره الى اختلاف البدايات وتنوع القياسات عن نقطة ارتكاز مشتركه , فتاره يكون القياس بالنسبة للذات المفكره الجزئيه , وفي حالات اخرى يتم الارتكاز الى تعين الموضوع الخارجي او الاخر , واخيرا يتم اللجوء الى نقطة ارتكاز كليه لها مفهوم تجريدي مطلق هو الذات الالهيه وفي الدائره الاولى للقياس يتم تناول الموضوع من وجهة نظر معرفيه تعبر عن محدودية الاحاطه بقانون السببيه الذي يمكن ان تستخدم الحتميه للوصول الى نتائج قطعيه في عملية الاستقراء الانسانيه.ورغم ان احدا لا يقول بالمعرفه الكليه الا ان حصر الظواهر البحثيه في مجال معرفي محدد دون اللجوء الى المتغيرات الخفيه هو الاسلوب العلمي المتاح لتحصيل فهم ادق للظاهره موضوع البحث , لان الاحاطه الكليه بجميع السلاسل السببيه ونقل ارتباطها النسقي من المستوى العملي الى مستويات نظريه وجوديه لن يكون الا امعانا في الانكفاء عن الدراسه الجديه بدعوى نقص المعرفه الانسانيه ,وعندما تاتي النتائج المخبريه والابحاث العلميه بنتائج غير مرتبطه سببيا في نطاق التجربه المحدده , يتم الالتجاء الى توسيع دراسه العوامل والمؤثرات الجانبيه للوصول الى معرفة النتائج المخبريه من اجل تحصيل معرفه استقرائيه اكثر دقه .وعند تكرار التجربه مرات ومرات دون الوصول الى نتائج متطابقه , عندها يتم البحث في الاحتمالات الرياضيه التي تكشف جوانب الانظمه العشوائيه والتي نطلق على نتائجها التي لا تنتظم في قانون معين بالصدفه .هذا المفهوم للصدفه يتفق على تسميته بالمفهوم ( الابستمولوجي ) المعرفي .وهو تعبير عن قصور ادوات المعرفه في دراسة الظاهره في لحظة ال (ان) الراهنه ,غير ان هذه العوامل السابقه وظروف الامكانيات المتوفره تكون سببا في تبني اصحاب الفكر الديني لراي معارض نافيا للصدفه ولاغيا لها بشكل كلي لصالح مفهوم الغائيه والعنايه الالهيه حتى في ابسط الظواهر الطبيعيه بعد ان يتم الانتقال بالفكره الى نقطة ارتكاز عقليه تتناول التجريدات المنطقيه وترجع الاحداث الى ذات عليا افتراضيه .
ومن الواضح ان الحوار حول مفهوم الصدفه يؤدي بالضروره الى البحث في الاتساق المنطقي للمذهبين المتضادين - الديني وال العلماني .
المذهب العلماني ينطلق من اساسيات واقعيه تعتمد على التجربه والممارسه والاختبار العلمي ليرتقي في بناء معرفته العقليه الاستنباطيه على اساس من الاستقراء المبني على ترابط العلاقات الفعليه للوصول الى المفاهيم التجريديه الكليه لكن التفكير الديني - في مقابل ذلك - ينطلق من مسلمه افتراضيه فوقيه تبتعد عن دائرة العلم لتبدا من دائرة المنطق العقلي دون ان يكون لها تسلسل تركيبي يبدا من التجربه او الممارسه العلميه وهكذا يتبين ان الحوار حول مفهوم الصدفه , يؤدي بالضروره الى بحث الانساق الفكريه التي تحاول التوصل الى تجريدات منطقيه كليه ,وعليه اود ان الخص بعض الاساسيات التي سوف يتم تناولها بالبحث والنقد , مع الاشاره الى عدم تقطيع الردود المختلفه للزملاء الكرام بواسطة الاقتباس من اجل التعليق على جمل او عبارات مع ضرورة الاشاره الى اصحابها حتى لا يختلط الامر , واهمها :
- نفي مصطلح مفهوم الصدفه ( الزميل ديني) ونقل نقطة الارتكاز الى الذات العليا الالهيه بعد ان يتم استبدال امكانية التقاء نتائج تفاعل الروابط السببيه لمنظومات الطبيعه الفعليه بمصطلح مفهوم الغايه او العنايه الالهيه
- البحث في الانساق الفكريه للبناء المنطقي الفكري للفلسفات المتعارضه ( ديني) للخلاص الى نتيجة عدم امكانية البرهنه المنطقيه اليقينيه حول صدق الحكم على المنظومات الفكريه بشكل قاطع الامر الذي يعني تعادل حكم الصواب لها جميعا حول مفهوم الغايه - ال لاغايه مع الاقرار بوجود تناقض نسبي في كل نسق فكري لا يمنع صاحبه من التقليل من حكمه الصائب عليه ( وهذا ما ارتاح اليه الزميل (علماني) كنوع من الاعتراف بالاخر - دون ان يؤيد ذلك منطقيا )
- الارتداد الى الحياه الواقعيه ومقارنة النتائج المترتبه على الانساق الفكريه المختلفه للحكم على صدقها وصحتها من وجهة نظر نفعيه انسانيه ( وهو موضع خلاف لاحق)
- ترجيح اصدقية منظومه فكريه على اخرى بالاعتماد على امكانية الوصول الى اجوبه ظاهريه شبه يقينيه في دائرة التجربه والقياس والاختبار العلمي للمسائل الكبرى في المعرفه الانسانيه بعد تلبيس الجواب الميتافيزيقي للفكر الديني صفة القطعيه والصواب عن طريق انتساب الاحكام الانسانيه الى مفهوم الذات العليا الالهيه وفي هذا المقام اريد ان انبه الى مغالطه فكريه معتاده من قبل الفكر الديني , تقوم بالباس الفكر الذاتي الانساني الذي يحقر العلم المحدود في ال( الان) الزماني ثوب الهي ومقابلته مع ايمان بعلم قطعي الصواب ,كامل الصدق , مطلق الدلاله , لا يلتزم بمقولات الزمان والمكان يقول الزميل الكريم (ديني) في معرض حواره مع الزميل الفاضل ( علماني) بان نسبيه الصدفه , هو خروج الكلام بالمساله الغايه\ ال لا غايه الى افاق الخيارات الميتافيزيقيه .وهذا يدل على ان الزميل الكريم يجهد في نقل موضوع الصدفه من المستوى الابستمولوجي الواضح المعارض للعنايه الالهيه الى دائرة الاستنباط العقلي في المستوى الوجودي , الامر الذي يدل على رغبه شديده في نقل الموضوع المحدد القابل للمعرفه اليقينيه الى افاق عدم التحديد الميتافيزيقيه على العموم فان البحث في (الصدفه) كان مدخلا للولوج الى تناول مجالات اخرى مترابطه هي :
- مجال البحث العلمي والتجربه الانسانيه والممارسه الفاعله.
- مجال الاستنباط العقلي والبناء الفكري للتجريدات المنطقيه ,من هنا كان التفصيل اللازم لتناول صدق الحكم حول الانساق الفكريه التي تتناول القضيه الاساسيه حول الاسبقيه المنطقيه لما هو في دائرة الوجود.
وقد تناول الزملاء الكرام طرق البناء الفكريه للانساق المنطقيه والوسائل النقديه لبحث مفهوم الغايه\ اللاغايه كتعبير عن تغليب فكره الاسبقيه المنطقيه للموجودات. اتكون للفكره المحض ام للماده كتعبير عن القضيه الاساسيه للدائره الكليه في التجريد العقلي , وهو موضوع القضيه المركزيه في الفلسفه عن طبيعة الاصل او الجوهر , الاسبق منطقيا والثابت فكريا .وعند ولوج العقل الى هذه الدائره الكليه , لا بد للاستنباطات العقليه من الارتكاز على المقدمات المنطقيه التي تتحصل من المعارف العلميه والبديهيات المنطقيه غير ان الارتحال عن دائرة المعرفه اليقينيه الجزئيه والولوج الى دائرة المنطق الاستنباطي يصاحبه تغير في الوسط واختلاف في التطبيق لما هو معتاد من قياس , مما يتطلب الامر اعادة النظر مع فحص وتمحيص لكل خطوه يقوم بها العقل في هذا المجال.
و نحن نعلم ان الاستنباط يكون على نوعين اما تحليلي فارغ لانه يتضمن النتائج في المقدمات وهو ما اشار اليه الزملاء الكرام , عدا عن عدم امكانية البرهنه على صدق نسق فكري معين من داخله , الامر الذي يعني ضرورة الخروج من النسق المقصود الى نسق مغاير , او اللجوء الى مستوى تجريدي اعلى يكون محتويا على النسق الاقل تجريدا - المقصود .ولذلك ومن اجل الحكم , نجد انفسنا مضطرين للخروج الى نسق اخر من نفس المستوى التجريدي , او التحول الى مستوى اعلى يتضمن النسق التجريدي الادنى مجال البحث ..... وهو امر يؤدي الى تسلسل لانهائي غير ان الامر في حالة الاستقراء ,يقوم على الاكتفاء بجزء معرفي معتبر للظاهره مدار البحث ثم نقوم باستخدام التعميم على الكل الاستنباطي لتلك الظاهره ,, وهذا يعني امكانية التوصل الى معرفه حقيقيه دون بلوغ اليقين في صدق الحكم .
ونتيجه لم سبق من تحليل عن طرق الاستنباط العقلي نخلص الى نتيجه مفادها : وجود استنباط تحليلي يبنى على مسلمه افتراضيه تكون نتائجها تحليليه متضمنه في المقدمات ينطبق عليها من الحكم ما ينطبق على مقدماتها . ووجود استقراء يعتمد على معرفه يقينيه في امور جزئيه لظاهره ما , يبني عليها العقل نتائج تعميميه تفيد في عملية التنبؤ المستقبليه في الحياة العمليه رغم انها لا تتمتع بيقين مطلق .من هذا يظهر ان الحركه بين حدي التناقض ممكنه , لكن الجمع بين الحدود في الكليات التجريديه الاساسيه غير ممكن. لان الوعي مشروط بالتناقض . والوصول الى مفهوم المتوحد ليس الا مخالفه لامكانيه التمييز ,لانه خروج على حدود ادراك الوعي .لكن لماذا يطلب العقل النظري التوحد ويسعى اليه؟-والجواب بكل بساطه لان الحركه هي صفه اساسيه لمحتوى الوجود ومن ضمنه التفكير . وسوف يبقى العقل مجدا في طلب الحدود في محاوله دائبه لاحتواءهما.ومع ذلك فان التفكير عند هذه المحاوله للقفز خلف الحدود , يدخل في تناقض مع ذاته, بسبب عدم قدرته على التمييز في الكليه المفترضه المتوحده.
ما العمل ؟في مثل هذه الحاله يرتد التفكير الى نقطة ارتكازه(مسلمته) التي بدات خارج التجربه والممارسه والعلم في محاوله لاعطاءها صفة المطلق كنوع من الجواب الشافي لما يسعى اليه العقل النظري .ومن هنا يصبح من الضروري للعقل العوده الى المعلومات العلميه والاستنباطات الفكريه الجزئيه لقوانين المعرفه البشريه من بديهيات ومفاهيم قياسيه من اجل التاكد من ترابط الاستدلال وعدم الوقوع في التناقض .وعلى العموم فان محاولات الزملاء الكرام لتوضيح الاراء كانت محصوره في منهجين- المنهج الديني للبناء المنطقي وهو منهج يعتمد على الحدس الايماني وله نقطة ارتكاز ميتافيزيقيه- المنهج اللاديني للبناء المنطقي ( المادي) وهو يعتمد على العلم والتجربه والقياس كنقطة ارتكاز واقعيه ,وحتى تكون الامور اكثر وضوحا والنقد اكثر بيانا لا بد من تناول افتراقهما للحكم على صدقهما.
ينطلق التفكير الديني في محاكمته الصوريه لانعكاس الحقيقه المعرفيه من الموضوع الخارجي ( الاخر) الى الذات المفكره ( الانا) من مسلمه اساسيه ترتكز على الامور التاليه .- ان المعرفه العقليه التي تحكم عملية التفكير البشريه لها استقلاليه ذاتيه عن الحامل المادي الذي يستخدمها وهو الدماغ البشري حتى ان مثل هذا المنهج يذهب بعيدا في تعميمه ليقول بان القواعد المنطقيه والمفاهيم الفكريه هي التجريد الاعم والفكره الاوضح للوجود من حيث اسبقيتها المنطقيه على ما عداها وحين تتناول مقولاتها الاستنباطيه التجريد العقلي الاعم فانها تخلص الى مقولة الفكره المحضه ( الله , الخالق) الذي يعتبرون بان له اسبقيه منطقيه على الكون بوصفه واجب الوجود , ثابت ازلي مطلق وعندما يبدا هذا المنهج في توضيح فكرته التجريديه هذه , نراه يلجا الى اسباغ المقولات التعميميه والتفاصيل النظريه للصفات الانسانيه بعد تجريدها واعطاءها صفه الاطلاق ليلصقها بعدئذ بفكرة الاله , وعليه يكون الاله في المفهوم الديني هو المطلق الازلي الكلي ...سميع عليم , رحمن رحيم , عادل قيوم عظيم , حي لا ينام ..... الخ.
نظره سريعه لهذه الصفات التوضيحيه للذات الالهيه تبين ان احتواء المطلق على الصفات الايجابيه فقط هو اسقاط للانصاف الاخرى للمتضادات التمييزيه في الفكر البشري وهو يدل بكل بوضوح على انتقائيه الغرض وابعاد للعرض الذي لا يليق بمفهوم الجلاله . وهذا يؤدي بالضروره الى تضاد وطرد للمفهوم , واعتراف مبطن بعدم صحة استخدام نفي النفي في توحيد الكليات المنطقيه التجريديه ( الوجود والعدم) , (المتغير والثابت ) المطلقين .
فالذات الالهيه بوصفها مفهوم تجريدي متوحد يجمع متناقضات من مستوى تجريدي ثنائي اعلى الى مستوى هو الاكثر تجريدا بتوحده يكون مناقضا لمفهوم التخارج مع الاخرومع ان هذه المحاوله العقليه مبرره من وجهة نظر منطقيه لانها تعبر عن الحركه الفكريه لاحتواء المتناقضات وتوحيد المتضادات , الا ان الطبيعه الذاتيه للادراك تتطلب وجود التمييز وعدم الانزلاق خلف حدود العقل في المتناقضات عندما يكون احداها سلبي استنباطي وغير حقيقي . وعليه فان محاولة الجمع التوحيدي السالفه تؤدي الى نقض للعقل نفسه وابطال للتمايز وخروج على الادراك .ومن جهة اخرى فان مفهوم الازليه للذات الالهيه يكون مرتبطا بمفهوم الثبات المطلق , وفكره الثبات نفسها هي الغاء للتغير والحركه فالقول بالثابت الازلي هو طرد للتغير والتاثير في الموجودات الجزئيه , هذا عدا عن ان الثابت يطلب نقيضه المتغير ليتوحد معه من اجل التعين بعيدا عن الوهم والخيال .فلا ثابت خارج الوجود ولا مطلق لجزء منه .وعندما يكون الوجود ماهيه , يتطلب ان يكون العدم كذلك حتى يتسنى للتكوين من البروز وهذا يطرح سؤالا ذو معنى عن المطلق واجب الوجود , حيث تصبح هذه العباره قفزه ذاتيه من الحقيقي الى دائره الخيالي وتلاعبا بالافاظ لا اكثر . وهي ان دلت على شيء فانها تدل على التناقض الواضح في فكرة الكليات المنطقيه الاكثر تجريدا في الفكر الديني ,اما ان كان الوجود صفه , فذلك يفتح الباب على مصراعيه لوجود الاله في مرحله منطقيه سابقه على ما يتبقى من محتوى الوجود - الماده , الامر الذي يعني اتصاف تلك الذات بالثبات وعدم التغير وهذا بدوره يؤدي الى نفي الصفات ووضع المفهوم الالهي المجرد في قالب مصمت فارغ لا يحتوي على شيء ,كما ان الثبات يطلب التخارج مع المتغير , لان التوحد في الثبات يستحيل دون الانتساب الى الاخر.وهكذا يدور الامر مرة اخرى ليقوم الفكر الديني بافتراض العدم كمقولة منطقيه لها من التعين ما يجعل الماده تبرز منه.
لكن الفكر الديني يقر ويعترف بان التناقضات الكليه في المفاهيم العقليه ليس لها من تفسير الا بسلبية العدم والثبات ككليات منطقيه تمييزيه وهي لا تتعين ولكنها تفترض استنباطايا في الفكر الانساني من اجل التمايز,وهذا يعني ان الفكر الديني يكون ملزما بنفي العدم والثبات في المطلق كواقع موضوعي .
هذه المحاكمه المنطقيه توضح ان الفكر الديني يصطدم مع ذاته في مفاهيم التمايز والادراك , الثبات والحركه , الوجود والعدم.
هو باختصار يقوم بتطبيق مبدا نفي النفي على الكليات المنطقيه الاكثر تجريدا بعد ان يخترع نقائض منطقيه سلبيه ذاتيه لا يمكن توحيدها مع الوجود المتعين لرفعها الى مستوى تجريدي اعلى عن طريق نفي النفي .ولو تغاضينا مؤقتا عن تعين الوجود , لوجدنا ان النفي الثاني للكليات يكون معتمدا على انصاف استنباطيه سلبيه في الذات المفكره البشريه ولا تنتسب الى الحقيقي الفعلي - الاخر المقابل لهذه الذات - الا وهو الوجود.
ومع هذا فان التفكير الديني يلجا الى الذرائعيه المنطقيه في تقزيم التناقض واقصاء التعارض فعندما يتم البحث في النسق الفكري للاستنباط العقلي يمكن ملاحظه ما يلي :
يلجا الفكر الديني الى البحث في برهنة صدق المنظومه او النسق المستخدم في البناء المنطقي للتفكير ليستحضر قاعده منطقيه متفق عليها بان المنظومه او النسق لا يمكن البرهنه عليه من داخله , بسبب انتفاء نقطه ارتكاز محايده (ثالثه) , والثالث هنا هو التخارج عن المنظومه والنظر اليها من خارج الحدود . ونحن نعلم ان ذلك يقود الى التسلسل الذي لا نهاية له ,اما الحكم على المنظومه من منظومه اخرى متخارجه من نفس المستوى فهو بكل بساطه انتقال من نقيض الى نقيض اخر.وذلك يقود الى مازق الثبات الذي يدعو اليه مثل هذا الفكر , لان التخارج صفه للجزئي ينتج عنها تبادل التاثير الناتج عن التفاعل وهو ما يعبر عنه بالصيروره ,فعندما تتنوع الكينونه وتتجزا , تتفاعل الاجزاء بحكم الصيروره وجوهرها الحركه. عندها يكون الازلي الثابت المطلق ليس الا تعبيرا فكريا عن اللاشيء.
وهناك ملاحظه اخرى حول مفهوم المتوحد الذي يفقد اجزاءه السلبيه مثل العدم و الشر و الظلم ... الخفالتوحد بالايجاب فقط هو نفي للنقائض السلبيه وهو في نفس ال (آن ) طرد لصفة المطلق والكمال فاما ان يكون مطلقا وكاملا ولا اخلاقيا او متعادلا ..... واما ان يكون نسبي وناقص واخلاقي وموجب ... وجمعهما طارد لبعضه البعض .
مرة اخرى نعود الى طريقة الاستدلال المنطقيه واهم مفاصلها الفكريه .
يقوم العقل بتحويل الانعكاسات الحسيه الى لبنات فكريه يتم دمجها مع بعضها البعض باعتماد قواعد منطقيه مكتسبه ليتم تحويلها الى بناء فكري وهذا البناء الفكري يتاسس على معطيات موضوعيه حقيقيه متعينه لها صفة الصدق والفعليه ,لذلك نرى ان جميع تلك اللبنات المعرفيه تكون مشتركه عند المذاهب الفكريه والانساق المنطقيه المختلفه لانها ترتكز على التجربه والقياس والعلم .
في الاستنباط االعقلي , ينتقل الفكر من مجال العلم والتجريب الى مجال العقل والاستنباط , اي انه يغادر دائرة اليقين وينطلق الى دائرة البحث في المفاهيم التجريديه التي يعبر عنها في مقولات فكريه كليه وعند هذا الافتراق يصبح البناء الفكري مهددا بالاحتواء على مفاهيم استنباطيه ليس لها مقابل موضوعي وجودي,و قد تشارك في الهرم البنائي للفكر وعندها يتداخل التخيلي الذاتي مع الحقيقي الموضوعي .وفي مقال الزميل (ديني) اعتراف بتضمن النسق الفكري على تناقضات منطقيه تكون واضحه من خلال نسق فكري مغاير .فاي بناء فكري يمكن ان يحتوي على تراكيب عقليه استنباطيه ذاتيه لا تمت الى الواقع الموضوعي الفعلي باية صله وهذا يعني ان اي منظومه فكريه استدلاليه تحتوي على جوانب قابله للنقض كخاصيه عامه للمنظومات .هذا الامر يجعل من ادعاء الفكر الديني بامتلاكه لليقين (الايماني) ليس الا دعوى تحتوي على التناقض المنطقي وعدم الصدق في الحكم ,
ومن المعلوم ان جميع البنى الفكريه الجزئيه ( الانسانيه) تخضع لقوانين المقولات التي تحتويها مثل قوانين الزمان والمكان او لقوانين الوجود بشكل اعم .وانطلاقا من امكانية النقض المتاح لاجزاء المنظومات الفكريه المختلفه ( ومنه الفكر الديني) فلا بد من التعليق على الدعوات التي تدعي التماثل مع غيرها في اكتساب الصفه الوجوديه المتساويه للجميع بانها محض افتراء, فالفكر الديني يقوم على مبدا القطعيه في الصواب والمطلق في الصدق لان المرجعيه لهذا الفكر ليس في البناء العقلي الانساني وانما في مصدر غيبي متخارج معه ومتعالي عليه, وعليه فان النقض الجزئي للبناء الفكري الديني يؤدي بالضروره الى اسقاط مفهوم المطلق في الصدق والقطعيه في الصواب وهذا بدوره يؤدي الى سقوط الفكره الكليه التي يزعم الفكر الديني بالانتساب اليهاعدا عن ضرورة امتثال هذا الفكر الى ضرورة تطبيق قوانين مقولات الزمان والمكان المنطقيه على مثل هذا التفكير الغيبي الارتكاز,
ومما يلاحظ في هذه النظره الميتافيزيقيه للاعتقاد ان اصحابها يلجاون - بعد الاقرار بمبدا تكافؤ الفرص في الوجود للنظم الفكريه المختلفه- الى التدليل على ترجيح نظرتهم الايمانيه من منطلقات جزئيه تنتج عن الايمان الاساسي بالمسلمه الفكريه , مثل الاخلاق والغايه والمنفعه .... الخ واستنكار عدم التوصل لليقين في القضايا التجريديه الكليه من قبل الفكر المعارض بدعوى محدودية العقل .والحقيقه ان التجريد في الفكر الانساني يحتوي على تراكيب فكريه استقرائيه لا يمكن الحكم عليها بيقينية الصدق وكمال الصواب.فهل يلجا الفكر الديني ليعيب على الفكر بشكل عام , ما هو موجود في صميمه ؟ هذه الخطوه ليست الا مسوغ ذاتي لاستبدال الحقيقه الوجوديه بفكره استنباطيه ذاتيه !وحتى عند غض الطرف عن مثل هذه التجاوزات فان دعوى البراغماتيه التي يتشدق الفكر الديني بتطبيقها على التبعات الجزئيه مثل الاخلاق والتشريع في هذا الفكر - هذه التبعات تصطدم مع مبدا الثبات والاطلاق الذي يتعارض مع قوانين الزمان بحيث تصبح عائقا لكل تطور او تغيير انساني .فالاخلاق موجوده في كل المنظومات الفكريه وهي مستقله عن اي مصدر غيبي في وجودها لانها بكل بساطه انسانيه وصفه للمجتمع البشري الذي يتكون من ذات مفكره متحضره , وهناك قاعده بديهيه اوليه تقول " ما لا ترضاه لنفسك , لا تفعله لغيرك" اما دعوى التهذيب الرباني والمقياس الالهي فليس الا تلبيس للفهم الذاتي لافكار الجماعه المحدوده في الزمان والمكان لذلك التشريع وتلك القوانين..
وعندما يتم تناول قضايا محدده في الزمان مثل الحقوق والواجبات الانسانيه للجماعه البشريه , نجد ان الفكر الديني يقوم بنفس الفبركه والتغليف لما هو ذاتي ليسبغ عليه ثوب الالهي الثابت الازلي لهذا فان الدعوى الاساسيه لتكافؤ الصدق في المنظومات الفكريه التي يقر بها الفكر الديني , ليست الا محاوله موجهه للفكر المعارض للاقرار بتثبيت ذاته ( الغيبي) يستخدمها لاحقا للتنكر لهذا التثبيت تجاه الاخر رغم وضوح تناقض تبعاته الزمانيه وعدم صلاحيتها للمجتمعات الانسانيه في الزمان والمكان
نتيجه
1- يقر الفكر الديني بمفهوم الصدفه الابستمولوجي وينكر وجودها الانطولوجي ليثبت مفهوم الغائيه بدلا منها2
- يقر الفكر الديني بعدم امكانية الاستدلال المنطقي على صدق الحكم بالنسبه لتجريداته الفكريه ومع ذلك يسمح لذاته بالتغاضي عن التناقض المنطقي في نسق تفكيره لصالح مسلمته الاساسيه
3 - يرتكز الفكر الديني على مسلمه اوليه في دائره الغيب لا يمكن الحكم على صدقها التجريدي بيقين تجريبي وهو ما يتعارض مع مسلمات اللادينيه التي ترتكز على معطيات اوليه في دائرة العلم والتجربه والممارسه الانسانيه
4- يوافق الفكر الديني على تكافؤ الوجود المنطقي للانساق الفكريه المتعارضه كنقطة ارتكاز لا يلبث ان يتنكر لها بدعوى القياس المنفعي والحكم البراغماتي في مقالاته التفرعيه التي تنتج عن مسلمته الرئيسيه في الحياه اليوميه وحجته في ذلك محدودية المعرفه البشريه الزمانيه
5- يتناقض الفكر الديني مع نتائجه المنطقيه بشكل سافر . فمحدودية المعرفه الانسانيه الزمانيه يجب ان تطبق على جميع الانساق الفكريه ومنه الفكر الديني الذي لا يصمد في تبعاته الاستنتاجيه من تشريع وقوانين - لقوانين مقولات الزمان والمكان بسبب اعتقاده غير المبرر في الثبات المطلق وقطعية الدلاله للافكار الجزئيه التي لا تمتثل لمقولات الزمان والمكان.
الحوار كاملا هنا.

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

مدونة رائعة و موضوع مهم دكتورنا العزيز.اشكرك شكرا جزيلا.
امضاء جنرال\غرفة الانسانيين العرب بالبالتوك