29‏/3‏/2008

تعليق مقتضب حول ( الصدفة)

يطرح الزميل الكريم بنان اسئله متعدده حول مفهوم الصدفه , ورغم الاستعمال الشائع لمفهوم ( الصدفة) في الحياة العاديه كوصف لظاهره او حدث معين لا يمكن الاحاطه بجميع العوامل المؤثره فيه , بانه - صدفه -الا ان الزميل الكريم يريد البحث في مصداقية المفهوم ومعناه عند الاستخدام في امور تجريديه هي مجال للاستنباط العقلي وليست خاضعه للتجربه العلميه .
على ان طرح الزميل الكريم يقفز بعد اعطاء هذا البعد العقلي للبحث ليعود الى دائرة التجريب ويتسائل ,ان كان بالامكانيه اختبار مفهوم الصدفه في المعمل وهل تنشا من ذاتها ام تحتاج الى مسبب خارجي لذلك , هناك تعارض منطقي لاستخدام نفس الكلمه من الزميل الكريم في مجالين
1- في مجال الظواهر والاحداث الجزئيه سواءا كان ذلك في الحياه العامه للفرد او حتى في داخل الكون
2 - في مجال الكليات المنطقيه وتحديدا في دائرة الوجود او حتى في محاولته لتخطي كلية الوجود ولذلك وجب التنويه حول الاسئله الاستنكاريه في مقدمة هذا الشريط ولب الموضوع كما افهمه من طرح الزميل الكريم يتعلق بمساله هي مناط التفكير وليست داخله في مجال المعرفه العلميه التي تستخدم التجربه والقياس .ومع ذلك فان المعارف العلميه والتجارب البشريه هي الماده الاساسيه التي يستخدمها العقل للوصول الى ترجيح اعتقاد على اخر . لان القضايا الفلسفيه يبقى مجالها الاستدلالي هو الفكر , وهذا لا يمنع من ان يقوم التفكير في كل مرحله من محاولاته الاستدلاليه على موضوع ما , من تفحص واعادة تفحص المقدمات اللازمه لعملية الاستنباط ذاتها وخاصه في حالة الاستقراء ولم يعدم الفكر من وسائل لذلك التفحص , والتي , يمكن ان يتوصل اليها عن طريق المعرفه اليقينيه المبنيه على اساس التجربه العلميه وكذلك البديهيات العقليه المستقاه من المقارنه والقياس.
والصدفه بشكل عام كمفهوم فلسفي هي نقيض للغائيه اي ان الاتفاق في تواجد الحدث اوا لظاهره يكون نابعا من علاقات تفاعليه وتاثيرات متبادله بين كينونات لها علاقه ترابطيه قد لا يستطيع العقل من الاحاطه بها جميعا في ظاهره معينه , فيلجا الى الوسائل التجريديه ,مثل الرياضيات , في محاولته لفهم النتائج بقصد الوصول الى قاعده في الفهم تساعدعلى استخدام الاستقراء من اجل التنبؤ بالاحداث .وعليه يكون هناك اعتراف واضح بالصدفه بمفهومها الجزئي , ومحاولة توسيع نطاقها الى المستوى العقلي في الكليات - او على الاقل - الاقرار بتساوي احتمالات حدوثها من عدمه في هذا المجا ل اما اصحاب الفكر الديني, فان الصدفه عندهم نكره وليس لها من وجود انطولوجي لان الغايه باعتقادهم تكون طارده لها او عادمه او اذا شئت نافيه لها تماما ,ففي المستوى الجزئي يمكن ان يتم الاعتراف بها على اساس معرفي (ابستمولوجي) مع مايصاحب ذلك من حياء وتملص . اما في المستوى العقلي- اي في مجال الكليات فان هذا الفكر يقوم بتثبيت مفهوم الغائيه , نافيا اي اتفاق تصادفي ينبع عن الحركه الداخليه لمفهوم محتوى الوجود .سوف احاول ان اضرب مثلا توضيحيا حول هذا الامر- لنتصور انه يوجد عندنا زجاجه مغلقه باحكام ملقاه في مياه بحر, وفي هذه الزجاجه يوجد- في لحظه ابتدائيه مفترضه - في نصف حجمها السفلي ماده سوداء اللون وفي النصف الاعلى من الزجاجه نفس الماده ولكن بلون ابيض , ثم تركنا الزجاجه بمحتوياتها التي تقارب كثافتها - كثافة الماء لفتره زمنيه في البحر لنعود اليها ونجد ان الماده في داخلها قد اختلطت بحيث اصبح لونها البادي للعين هو اللون لرمادي -نتيجة اختلاط اللونين - الاسود والابيض .
ان مراقبة حالة الزجاجه سوف يبين لنا ان الحركه المستمره لمكوناتها يؤدي الى تراتيب لجزئيات الماده المتلونه باللونين الاسود والابيض بحيث انه , وفي كل لحظه يكون هناك تغير في الترتيب يصعب الاحاطه به .والان هل يمكن ان تجتمع جميع الجزيئيات ذات اللون الاسود في النصف العلوي وجميع الجزئيات ذات اللون الابيض في الجزء السفلي ؟.... الجواب على ذلك - نعم لان مثل هذا الترتيب هومماثل لغيره من الترتيبات الاخرى من وجهة نظر موضوعيه - اما بالنسبة لنا فهو ترتيب قياسي نصبو اليه ونفضله وقد نعتبره غايه لتقلب الجزئيات للماده ذات اللونين المختلفين في الزجاجه ......هذا ما يحصل في الكون !ورغم ان عدد الالوان في الزجاجه هو 2 الا ان تنوع الكينونات الوجوديه لانهائي ... ووجودنا العاقل ليس غايه او وضع مفضل للحركه في تقلبات الماده بوصفها الفلسفي كجوهر لهذا الوجود وما اريد ان اخلص اليه هو
:1- هل هناك ضروره موضوعيه لحالة الوجود الراهنه ( التي يعتبرها الفكر الديني حاله قياسيه وجدت كغايه الهيه - لها هدف ( ليعبدون)
2- وهل الوضع الراهن- رغم تفضيلنا الذاتي له - هو غايه بمعنى مضاد للصدفه وله سبب ما ورائي لا نتعقله الا بوصف - (واجب الوجود) دون ان نستطيع ان نتفحص هذا المفهوم الاستنباطي كما يدعي الزملاء المتدينون ومع ان الصدفه في الامور الجزئيه لا يمكن لها ان تناقض السببيه بقدر ما هي تعبير عن عدم الاحاطه بالمؤثرات الخارجيه وعلاقاتها التبادليه الا ان مفهوم الغائيه في القضايا الفلسفيه الكليه - والذي هو نوع من السببيه الجاذبه بعكس السببيه المعتاده ( الطارده) والذي يمكن جمعهما في اطار العليه - هذا المفهوم يحتاج ال تخارج بين الاجزاء للوصول الى تاثير فعل الترابط في الظاهره الملاحظه .وعندما يحاول العقل الديني توسيع استخدامه ليشمل الوجود نجد انفسنا مصطدمين مع بديهيات التفكير التي يستعملها العقل للحكم على صدق الاستناج - الاستقراء
يقول الزميل الكريم (ديني)في معرض نقده لرد الزميل (علماني) ان اقتباس((فلا يخفى على حصافة زميلنا الموقر إذن أنه مع تقرير المحدودية المعرفية و نفي الصبغة الأونطلوجية عن مفهوم الإتفاق ( الصدفة) صارت الثنائية "غاية-لاغاية" غير قابلة للبت indécidable بتعبير المنطقي كورت غودل .))
-نعم ايها الزميل الكريم(ديني) فنحن لسنا مختلفين في المقدمات ولكن الاختلاف له ما يبرره في طريقة الاستقراء.نحن نقر بالسببيه في الجزء ولا نستطيع ان نتقبل ذلك في دائرة الكل- اي في دائرة كلية الوجود (نعم) اما خارج الوجود (فلا) لان التخارج مع الوجود لا يكون الا في الذات المفكره -اي له وجود عقلي حقيقي وذاتي ولا نعترف بوجوده الموضوعي الحقيقي الفعلي او المتحقق ,وهنا يكون الفرق بين الاستخدام للمقوله المنطقيه في الوجود المتحقق وبين محاولة مد مفعولها الى الوجود الذاتي او في احسن الاحوال الممكن ,كما انني في هذا المقام اود ان اشير الى النتائج المترتبه على احدى الخيارين ( المتساويين) براي الزميل الكريم (ديني) الا وهو :ان الخيار الديني المبني على اعتقاد من تساوي امكانية وجود النقيضين يؤدي بالفرد والجماعه الى نمط حياتي يشكل بناء فوقي قابل للاختبار بواسطة الممارسه والتجريب وهذا يقودنا بالتاكيد الى تفحص كل ما ينبثق من هذا الاعتقاد في الحياه العمليه وعندما نجد الكثير من النتائج لهذا الخيار غير مقبوله منطقيا من قبل العقل المفكر نستنتج ان ما يقف وراء الخيار العقائدي كمحرك باتجاه الغايه ليس له من الصدق والقطعيه ما يدعيه اصحاب هذا الخيار.ولذلك اشرت في بداية مقالتي هذه الى وجوب تفحص العقل لمقدماته عند القيام بعملية الاستدلال - الاستقراء

ليست هناك تعليقات: